توجیه لعدم استحقاق الثواب بإتیان الواجب الغیری ودفعه
ربّما یوجّه لعدم استحقاق الثواب بإتیان الواجب الغیری بغیر ما ذکرنا :
منها : ما وجّـه به المحقّق العراقی قدس سره ، قال فـی وجـه ذلک : إنّ الثواب والعقاب اللذین ینشئان من موافقة التکلیف ومخالفته إنّما جعلا علی ذلک تحصیلاً للغرض النفسی الداعی للمولی إلی التکلیف بالواجب النفسی ، ولا شبهة فی أنّ الواجب الغیری لیس فیه غرض نفسی لیترتّب علی موافقته ثواب وعلی مخالفته عقاب ، انتهی .
وفیه : أنّ قوله قدس سره : «إنّما جعلا علی ذلک . . .» إلی آخره ، خلط باب الاستحقاق بباب الجعل ، وقد مضی الکلام علی تقدیر جعل الثواب والعقاب ، والکلام هنا علی تقدیر استحقاق الثواب والعقاب .
نعم ، لو أراد بقوله «ذلک» : أنّ استحقاق الثواب أو العقاب إنّما هو فی الواجب الذی تعلّق به غرض نفسی ، والواجب الغیری لا یتعلّق به غرض کذلک ، فلا یکون ذلک خلط باب بباب ، مع أنّه لا یخلو عن مصادرة .
وبعبارة اُخری : یکون تکراراً للمدّعی ؛ لأنّ المدّعی هی : أنّ موافقة الواجب الغیری لم یکن فیها ثواب ، وتصدّی لإثباتها بأنّ الواجب الغیری حیث إنّه لا غرض نفسی فیه فلا یکون فی موافقته ومخالفته ثواب وعقاب ، وهو ـ کما تری ـ أوّل الکلام .
ومنها : ما وجّه به المحقّق الأصفهانی قدس سره ، ولعلّ المحقّق النائینی قدس سره یشیر إلیه ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 158 وإن کانت عبارته توهّم غیر ذلک .
وحاصل ما أفاد هو : أنّ الأمر الغیری أمر تبعی ، لا بمعنی أنّه بعث بالعرض ، ولا بمعنی التبعیة فی الوجود ومجرّد ترتّب أحد الأمرین علی الآخر ، بل المراد : أنّ المقدّمة بما هی حیث إنّها خالیة عن الغرض ، بل الغرض منها مجرّد الوصلة إلی الغیر فکذلک البعث نحـوها لمجرّد الوصلـة إلی الغیر فکأنّه لا نظر إلیها بما هـی کالمعنی الحرفی ، فکذا موافقته لیست إلاّ لمجرّد الوصلة إلی موافقة الأمـر النفسی . فهذه الموافقـة لا تعدّ موافقة اُخری فی قبال موافقة الأمر النفسی فی نظر العقلاء حتّی یمدح علیها أو یذمّ علی ترکها ، انتهی .
أقول : إن أراد بقوله : «لا نظر إلیها بما هی کالمعنی الحرفی . . .» إلی آخره أنّ العقلاء کما یکونون غافلین عن المعانی الحرفیة وغیر قاصدین لها ـ ولذا لا یحکم علیها ولا بها ـ فکذلک فی الواجبات الغیریة .
ففیه أوّلاً : أنّ الوجدان أصدق شاهدٍ علی خلافه ؛ فإنّ العقلاء ببابک ، تراهم غیر غافلین عن المعانی الحرفیة ، بل هم متوجّهون إلیها أشدّ التوجّه .
وثانیاً : لو سلّم غفلتهم عنها فلو خرجوا عن الغفلة وتوجّهوا إلیها فماذا یحکمون ؟
وإن أراد : أنّ الواجبات الغیریة حیث إنّها خالیة عن الغرض ، بل الغرض منها مجرّد الوصلة إلی الغیر ، فلا توجب موافقتها ثواباً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 159 ففیه : أنّه مصادرة وعین المدّعی . مضافاً إلی ما أشرنا إلیه فی معنی النفسیة والغیریة ، حیث قلنا : إنّهما لم تکونا بلحاظ الغایات والأغراض ، بل الضابط فیهما هو أنّه لو أمر بشیءٍ لأن یتوصّل به إلی أمر آخر فوقه فهو أمر غیری کما إذا قال : «إذهب إلی السوق فاشتر اللحم» . وأمّا إذا أمر لا لذلک فلا یعدّ ذلک واجباً غیریاً ، بل یکون واجباً نفسیاً ، وإن لم یکن هناک غرض مترتّب علیه ، مثل ما إذا قال : «إذهب إلی السوق» فی المثال المذکور .
فترتّب الثواب والعقاب لا یدور مدار وجود الغرض فی متعلّقه وخلوّه عنه ، بل ـ کما أشرنا ـ یدور مدار الإطاعة والعصیان ، وقد عرفت عدم إمکان الانبعاث بالأمر الغیری . وقد لا یکون فی متعلّق بعض الأوامر مصلحة ، کالأوامر الامتحانیة ، ومع ذلک یستحقّ المأمور المثوبة إن أطاع ، والعقوبة إن خالف .
وبالجملة : باب الأغراض خارجة عن حریم نزاع النفسیة والغیریة ، والذی یقتضیه التحقیق ومطابق للوجدان فی عدم استحقاق الثواب والعقاب فی الواجبات الغیریة هو الذی ذکرنا ، فلاحظ وتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 160