بحث حول ثمرة المسألة
ذکر المشهور فی ثمرة القول بالاقتضاء وعدمه بأنّه لو اقتضی الأمر بالشیء النهی عن ضدّه فإذا کان الضدّ عبادة فیوجب فسادها ، وأمّا لو لم یقتض ذلک فلا یوجب فسادها .
وخالفهم فی ذلک شیخنا البهائی قدس سره فقال ببطلان العبادة وإن لم یکن الأمر مقتضیاً للنهی عن ضدّه ؛ لأنّه یکفی للبطلان عدم الأمر بها . وواضح : أنّ الأمر بالشیء إذا لم یقتض النهی عن ضدّه فلا أقلّ من عدم الأمر به ؛ لامتناع تعلّق الأمر بالضدّین معاً ، فالأمر بإزالة النجاسة عن المسجد ـ مثلاً ـ توجب عدم الأمر بالصلاة عند ذلک ، فتقع باطلة .
ولکن الذی یقتضیه النظر : أنّ الثمرة إنّما تترتّب بعد تمامیة أمرین :
أحدهما : تعلّق النهی بعنوان العبادة نفسها ، کالصلاة مثلاً .
والثانی : کون النهی وإن کان غیریاً موجباً للفساد .
ولکن لم یتمّ شیء من الأمرین :
أمّا الأمر الأوّل فیمکن أن یقال : إنّ الأمر بالإزالة فی المثال المعروف ـ علی تقدیر الاقتضاء ـ لا یقتضی النهی عن الصلاة نفسها ، بل مقتضی کلّ من دلیلی المقدّمیة والاستلزام ـ لو کان کلّ منهما دلیلاً مستقلاًّ ـ أو هما معاً ـ لو لم یستقلاّ ـ هو
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 291 النهی عمّا یتّحد وجوداً مع الصلاة ، لا النهی عن عنوان الصلاة بما هی عبادة ، فیخرج الموضوع عن مسألة الضدّ ، ویدخل فی مسألة اجتماع الأمر والنهی .
وذلک لأنّه لو قلنا بالاقتضاء من ناحیة المقدّمیة فقد عرفت أنّ الواجب علی القول بالمقدّمیة هو عنوان الموصل بما هو موصل .
ولو تنزّلنا عن ذلک فالواجب هو الموقوف علیه بما هو موقوف علیه . فإذا وجبت الإزالة فلا یکون ترک الصلاة بما هو هو مقدّمة له حتّی یجب ، بل بما هو موصل ، أو بما هو موقوف علیه . فالواجب إنّما هو أحد العنوانین ، لا عنوان ترک الصلاة وإن اتّحدا معه .
وبالجملة : الأمر تعلّق بعنوان الصلاة ، والنهی تعلّق بترک عنوان الموصل ، أو ترک الموقوف علیه ، فأحد العنوانین مأمور به والآخر منهیّ عنه ، ولا یرتبط أحدهما بالآخر فی عالم المفهومیة وإن اتّحدا خارجاً .
فإن قلنا بالجواز فی مسألة اجتماع الأمر والنهی ـ کما هو المختار ـ فتصحّ العبادة ، وإن قلنا بالاقتضاء من ناحیة الاستلزام لو کان دلیلاً مستقلاًّ ، أو کان متمّماً لدلیل المقدّمیة ؛ فلأنّ غایة ما یدرکه العقل هو أنّ المتلازمین لابدّ وأن یکونا محکومین بحکم واحد بحیثیة الملازمة ، فإذا تعلّق حکم بعنوان فما یدرکه العقل هو أنّ ملازمه بما هو ملازمه محکوم بحکمه ، ولا یکاد یمکن أن یکون بحکم آخر . فإذا اتّحد عنوان الملازم مع عنوان عبادی ـ کالصلاة مثلاً ـ فلا یوجب فساده .
فتحصّل : أنّ ما یستکشفه العقل ـ علی کلٍّ من المقدّمیة أو الاستلزام ـ هو تعلّق الحکم علی عنوان الموصل ، أو الموقوف علیه ، أو الملازم ؛ فیخرج عن مسألتنا هذه ویکون من صغریات مسألة اجتماع الأمر والنهی ؛ فإن قلنا بعدم جواز الاجتماع فتبطل الصلاة ، وإلاّ ـ کما هو المختار وسیجیء بیانه ـ فتصحّ .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 292 وأمّا الأمر الثانی : فلو سلّم أنّ الأمر بالشیء مقتض للنهی عن عنوان الضدّ ـ کالصلاة فی المثال المفروض ـ ولکن لا دلیل علی أنّ مطلق النهی ـ ولو کان غیریاً جائیاً من ناحیة المقدّمیة أو الاستلزام ، کما فیما نحن فیه حیث إنّ النهی عن الضدّ إنّما هو من الأمر بالشیء بعنوان المقدّمیة أو الاستلزام ـ موجب للفساد ؛ لما سیوافیک مفصّلاً فی مبحث النواهی : أنّ النهی الغیری لا یوجب الفساد .
وإجماله : أنّ النهی عن العبادة إنّما یقتضی فسادها إذا کان المنهی عنه مشتملاً علی مفسدة لا تصلح معها أن یتقرّب بها ـ کصلاة الحائض ، فإنّ النهی فیها إرشاد إلی مفسدة فی متعلّقه ـ أو کان الإتیان بمتعلّق النهی مخالفة للمولی ومبعّدة عن ساحته ـ کما فی النواهی المولویة ـ فلا یمکن أن یکون مقرّباً . والنهی الغیری خارج عن القسمین ؛ لأنّ النهی الغیری لا یکشف عن مبغوضیة فی متعلّقه بل ربّما یکون محبوباً ، کما أنّ الأمر الغیری لا یکشف عن محبوبیة فی متعلّقه بل ربّما یکون مبغوضاً . فالنهی الغیری فی المقام إنّما هو بحکم العقل بتحقّق المصلحة الملزمة فی الضدّ المزاحم ؛ لعدم المزاحمة بین المقتضیات .
وبالجملة : الأمر بإنقاذ الغریق ـ مثلاً ـ لو اقتضی النهی عن الصلاة عنده لا یکشف عـن مفسدة فی ذات الصلاة وأنّها مبغوضـة ، بل مطلوبة ولکـن العقل یحکم بأنّه إنّما نهی عنها للتوصّل به إلی الإنقاذ ، ولدرک مصلحة أقوی .
وبعبارة اُخری : تعلّق النهی بالعبادة حیث لم یکن لأجل مفسدة فیها ـ بل لمجرّد المزاحمة لواجب آخر أهمّ والوصلة إلیه ـ کانت العبادة علی ما هی علیه من الملاک التامّ المقتضی لصحّتها . ولو فرض إمکان الجمع بین الصلاة والإنقاذ لکان یطلبه حتماً ، وبإتیانهما یتحقّق محبوبان ، لا محبوب ومبغوض ، ولذا لا یسقط المهمّ عن
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 293 المحبوبیة فی الدوران بین الأهمّ والمهمّ ، بل یکون باقیاً علی المحبوبیة ؛ ولذا ربّما یتأسّف علی ترکه ویبکی لفقده . وهذا عند العقل والعرف واضح لا إشکال فیه .
فتحصّل : أنّ الأمر بالشیء لو اقتضی النهی عن ضدّه فلا یوجب النهی الکذائی فساد ضدّه العبادی ، فتصحّ الصلاة مع تعلّق النهی بها .
إن قلت : إنّ بطلان الصلاة من ناحیة التجرّی ؛ لأنّ المکلّف بذلک یتجرّی علی مولاه ، فیکون بعیداً عن ساحته ؛ فلا یمکن أن یتقرّب بها .
قلت أوّلاً : إنّ التجرّی إنّما هو بترک الأهمّ لا بإتیان المهمّ ، ولو کان له جرأة لترک المهمّ أیضاً .
وثانیاً : لو سلّم أنّ التجرّی بفعل المهمّ ، ولکن الذی یسهِّل الخطب هو : أنّ الفعل بالتجرّی لا یصیر حراماً ـ کما هو مقتضی التحقیق وسیجیء فی محلّه ـ لأنّ عنوان الجرأة والجسارة لا یکاد یسری مبغوضیته إلی الفعل الخارجی ولا یتّحد معه ، ولو اتّحد معه لا بعنوان التجرّی ، فکون العبد بعیداً عن ساحة المولی بجرأته علی مولاه لا یوجب البُعد عنه بعمله .
ثمّ إنّه قد یقال : إنّ تعلّق النهی التحریمی موجب للفساد .
وفیه : أنّ هذه المسألة عقلیة ، ولم یکن علیه دلیل من الشرع . والنهی الغیری لا یوجب فساد متعلّقه ، کما لا یوجب عقاباً لارتکابه .
وبالجملة : هذا السنخ من النواهی لا توجب حزازة فی المتعلّق ذاتاً ؛ فلا یوجب فساده .
فتحصّـل ممّـا ذکـر سقوط الثمرة المتوهّمـة ، فالبحث إذاً عادم الثمرة ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 294