الوجه الثانی عشر
حـول النور والظلمات
فی توحید الـنور وتکثیر الـظلمات، وتعریف الـنور وتنکیر ظلمات، نهایـة الـمناسبات مع الـمقام، کما لایخفیٰ علیٰ ذوی الـشعور والأفهام:
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 81 ولعلّ منها: أنّ الـنار الـموقدة، و الـنقطـة الـبیضاء الـمتوحّدة ـ فی الـنفس أو فی الـقلب لیست فیها الـکثرة؛ لأجل أنّها متحرّکـة من الـمرتبـة الـبسیطـة الابتدائیـة، فتکون هذه الـنار مشفوعـة بکثرات ظلمات مختلفـة من الانحطاطات الـروحیـة، فإذا أوقد نار الـوحدة فی خلال هذه الـکثرات، تسری إلـیها وتضمحلّ الـکثرة بتوغّل الـنفس فی ع الـم الـوحدة وتوجّهها إلـیٰ الـواحد الـمتوحّد ب الـوحدة الـحقّـة.
ومنها: أنّ الـذی أوقد الـنار کان واحداً فی الـجماعـة الـمتوغّلین فی ظلمات الـبرّ و الـبحر، فیناسب توحید الـنور وتکثر الـظلمـة باعتبار توحید الـموقد وتکثیر الـجماعـة إلاّ أنّ وحدة الـنار وحدة شخصیـة ووحدة الـنور نوعیـة؛ باعتبار أنّ کلّ واحد من الـمنافقین تنوّر بنور الـذات وبنور الإقرار بالإسلام والإیمان.
ومنها: أنّ نورانیـة کلّ شیء بوحدتـه، وظلمانیـة کلّ شیء بکثرتـه، ولأجل ذلک وُحّد الـنور فی الـکتاب الـعزیز دائماً وکُثِّرت الـظلمـة جمعاً.
وأیضاً أنّ فی النور وحدة ذاتیـة، وفی ضدّه ضدّها، وهی الـکثرة الذاتیة.
ومنها: أنّ الـمرکز واحد و الـجهات الـمحیطـة بـه کثیرة، وکانت الـنار فی الـمرکز، ویستضاء بها الـجهات الـستّ وما حولها من الأطراف الـمحیطـة بـه، فإذا ذهب اللّٰه بنورهم الـموجود فی الـمرکز، وقعوا فی الـظلمات الـمتوجّهـة إلـیهم من أطرافهم، وسواء فیـه کون الـمراد من الـنار و الـنور معناهما الـحسّی أو حقائقهما الـمعنویـة الـروحیـة.
وربّما یکون الـنظر فی تکثیر الـظلمـة إلـیٰ بیان الـمب الـغـة فی حدّها، لا إفادة کثرتها، فإنّ الـجمع کما یدلّ علیٰ الـکثرة الأفرادیـة، یدلّ أحیاناً علیٰ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 82 الاشتداد الأحو الـی، وفی ذلک إبانـة أمر آخر وإیضاح سرّ خفیّ: وهو أنّ من استنار بنار واستضاء بضوئها فی الـظلمـة الـحسّیـة أو الـمعنویـة، ثمّ استبدل الـنار و الـنور ب الـظلمـة الـمتعقّبـة لهما، یصیر فی الـتحیّر و الـظلام الأشدّ والأسوء من الـذی لم یستضئ بنور من بدو وجوده، ولم یوقد الـنار من ابتداء خلقتـه، فالإیقاد والاستضاءة مقدّمـة لإفادة اشتداد الـظلمـة، وهکذا صیغـة الـجمع.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 83