الوجه الحادی عشر
حـول الاشتراء بالهدیٰ وعدم الهدایة من قبل
من وجوه الـبلاغـة ومن الـلطائف الـمرموز بها فی هذه الآیـة هو : أن یشیر الـمتکلّم فی نفس الـکلام إلـیٰ بعض توابع الـمجازات والاستعارات؛ مریداً بـه هدم الـعدوّ وهتک الـمخ الـفین، وذلک أنّ فی قولـه تع الـیٰ: «اُولَـٰئِکَ الَّذِینَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَیٰ»إشعاراً أو رمزاً إلـیٰ الـمبادلـة بین الـضلالـة و الـهدایـة، فکأنّما کان عندهم قبل الاشتراء من الـهدایـة شیء یُعتاض بـه، ولأجل هذا یصحّ استعارة کلمـة «الاشتراء» الـمتقوّم ب الـعوضین، وحیث ما کان عندهم من الـهدایـة شیء، أو أراد إرغام أنفسهم؛ بأنّ الاشتراء الـمجازی الـمزبور من الـغلط، لا من الـمجاز، ولاینبغی فی حقّهم توهّم کونهم من الـمهتدین ولو فی الـجملـة، عقّب اللّٰه تع الـیٰ هذه الـکریمـة بقولـه: «وَمَا کَانُوا مُهْتَدِینَ»، فهم أسوأ حالاً من أن یتوهّم فی حقّهم مجازیـة الاشتراء وصحّـة الاستعارة بـه؛ لمّا لیس عندهم من الـهدایـة شیء من الابتداء، فما کانوا من أوّل الأمر مهتدین، و الـسلب یفید الـعموم؛ أی جمیع مراحل الاهتداء مسلوبة عنهم، وتصیرالآیة فی حکم التعلیل لعدم ربح تجارتهم؛ لأنّـه ماکانت تجارةً من الأوّل؛ لأنّها بدون عوض لیست تجارة حتّیٰ تربح.
وغیر خفیّ: أنّ هذا الاُسلوب من الـکلام من الـصناعات الـبدیعیـة الـمعنویـة الـمسمّاة بـ «الإیغال».
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 25