جولة حول الإعجاز الخالد
قد عرفت فیما مضیٰ وفی طیّ الـبحوث الـماضیـة مشکلـة ومعضلـة، وهی أنّ إعجاز الـقرآن مرهون بعدم تمکّن الـبشر عن الإتیان بمثلـه طیلـة الـعصور الاستقب الـیـة، وإذا احتملنا إمکان الإتیان بمثلـه فی تلک الـعصور لایثبت إعجازه، وهذا الاحتمال قویّ وعقلائیّ؛ لإمکان استکمال الـبشر الآتی فی الأدب و الـشعر و الـفصاحـة و الـبلاغـة، کما نجد أنّ کیفیّـة الـقلم فی تحوّل وتبدّل، وأنّ الـمکاتبات الـعصریـة تباین الـقدیمـة فی حسن الإبراز، ولطف إظهار ما فی الـضمائر، وغیر ذلک من الـجهات الـکثیرة.
وقد أشرنا هناک إلـیٰ أنّـه لایتوقّف إعجاز الـقرآن حدوثاً علیٰ عدم إمکان الإتیان بمثلـه فی الآتی، بل یثبت الإعجاز بعد ملاحظـة الـجهات الـسابقـة حدوثاً، وأنّـه ینال الإنسان الـمدقّق فی الـجهات الـتی مرّت، أنّ حدوث هذه الـموسوعـة الـعجینـة عن الـمتخ الـفات من الـفنون وغیرها، أمر خارق للعادة وخارج عن الـطاقـة الـبشریـة الـمادّیـة، وإذا ثبت ذلک حدوثاً یکون باقیاً إلـیٰ أن یؤتیٰ مثلـه، فإن لم یُؤتَ بمثلـه فیکون خ الـداً بحسب الـواقع، ولو أتیٰ بمثلـه أحد فرضاً فلا منع من نسخ دعویٰ الأبدیـة وتخصیصها وتقیـیدها، کسائر الاُمور الـمتخصّصـة ب الـمخصّصات الـمنفصلـة. هذا بحسب الـتصوّر.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 530 وأمّا بحسب الـتصدیق ف الـخلود مستند إلـیٰ نفس الـقرآن الـمدّعیٰ لـه، وحیث هو یکون کتاباً صادقاً، ولایعقل کذبـه، ف الـخلود قطعیّ ومحرَز باعتراف الـکتاب الـعزیز و الـقرآن الـعظیم.
وفی تحدّی الـقرآن مایدلّ علیٰ خلوده، وعدم تمکّن الـجنّ و الـبشر من الإتیان بمثلـه «وَلَوْ کَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِیراً».
ثمّ إنّ الإعجاز و الـمعجزة کما تثبت ب الـتواتر، تثبت ب الـوجدان، وإذا کان یثبت إعجاز الـمسیح و الـکلیم ب الـمعجزات غیر الـباقیـة وجوداً، ولکنّها ثابتـة تواتراً ـ مثلاً کذلک یثبت بعض الـمعجزات الـنبویّـة.
وأمّا الـقرآن فیثبت إعجازه ب الـوجدان؛ لبقائـه وجوداً فی الأعصار والأمصار، ولعلّ انتهاء الـمعجزات الإلهیـة إلـیٰ إعجاز الأمر الـباقی لأجل أنّ الـنبوّة و الـوحی قد انقطعا، ولا شیء وراء نبوّة الإسلام ورس الـة الـقرآن.
وقد مرّ وجـه الـخاتمیـة وسرّ الـخاتمیـة واُصولها الـفلسفیـة واُسسها الـعلمیـة، وأنّ مسألـة الـخاتمیـة لیست مسألـة مستندة إلـیٰ الـفاعل الإلهی، الـمانع عن ظهور الأنبیاء و الـرسل بعد ذلک؛ حتّیٰ یُقال: بأنّ الـفیض لایُمنع من قبل الـفیّاض علیٰ الإطلاق، ولاسیّما بعد مشاهدة الـحاجـة إلـیٰ الأنبیاء فی جمیع الأعصار والأمصار ألفاً ألفاً وملیوناً ملیوناً لأنّ فی ترک إرسال الـرسل وإنزال الکتب، ظلماً علیٰ العباد وإخلالاً فی الـبلاد. بل هی مستندة إلـیٰ قصور الشرائط اللازم اجتماعها، وإلیٰ نقض الـعلل الإعدادیـة الـلازمـة لظهور النبیّ و الـرسول، ولنزول الـکتاب و الـرس الـة، فلاتکن من الـخ الـطین و الغافلین.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 531