الوجه الثالث
حـول التشبیه فی الآیة
إنّ من أقسام الـتشبیـه تشبیـه الـمرکّب ب الـمرکّب، ثمّ فی أقسام تشبیـه الـمرکّب ب الـمرکّب، ما لایمکن أن یعیَّن لکلّ جزء من أجزاء الـطرفین ما یقابلـه من الـطرف الآخر، إلاّ بعد تکلّف وتعسّف ، وهذا مثل قولـه تع الـیٰ: «مَثَلُهُمْ کَمَثَلِ الَّذِی اسْتَوْقَدَ ناراً»، فإنّ الـقول الـفحل و الـمذهب الـجزل، کون الآیـة من هذا الـقسم، لا من الـمتفرّقـة الـتی یکون بین الأجزاء تماثل وتشابـه أیضاً. فلو کان منها فلابدّ من أن یقال: شبّـه الـمنافق ب الـمستوقد ناراً، وإظهاره الإیمان بالإضاءة وانقطاع انتفاعـه بانطفاء الـنار وخمودها، أو یقال: وإعلام اللّٰه الـمؤمنین باسرارهم بإطفاء الـنار.
و الـذی یؤیّد ما اختاره الـمشهور: أنّ إعطاء الـمثال بکلمـة « الـمثل» یُنبئ عن الـتشبیـه فی مجموع الـجملـة الـمذکورة؛ إذ الـمتبادر منـه الـقصّـة
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 67 الـتی هی فی غرابتها ک الـمثل الـسائر، وهی الـهیئـة الـمرکّبـة، دون کلّ واحدة من مُفرداتها، وقیل: فی کلمـة «لمّا» و الـفاء إشعار بالارتباط بین الـجملتین بمجموعهما الـترکیبی.
والذی یظهر لی: أنّ هذه الآیـة قابلـة لأن تکون من أقسام تشبیـه الـمفرد ب الـمفرد بحسب الـنتیجـة، فإنّ الـکلام سیق لإفادة الـمشابهـة بین نتیجـة الـنفاق و الـنتیجـة الـتی یصل إلـیها الـمستوقد ناراً، وقابلـة لأن تکون من أقسام تشبیـه الـمرکّب ب الـمرکّب علیٰ الـوجهین الـمزبورین بمعنیٰ أنّ الـمتکلّم تارة یکون فی موقف تشبیـه الـمجموع ب الـمجموع فقط، واُخریٰ یکون فی الـموقفین، فإذا نظرنا إلـیٰ الـروابط الـخاصّـة نجد أنّ الـمنظور إلـیـه هو الـقسم الأوّل، وإذا نظرنا إلـیٰ تطبیق الآیـة بین الـمنافقین ـ الـذین صنعوا مع الـمؤمنین قبل ذلک ماصنعوا ـ وبین الـمستوقد ناراً، نجد أنّ مقتضیٰ التطبیق هو التوافق فی کافّـة الـجهات صدراً وذیلاً، فیکون من الـقسم الأخیر.
ثمّ إنّ فی الآیـة ابتکاراً لتشبیـه آخر: وهو تشبیـه الـمرکّب الـجمع ب الـمرکّب الـمفرد، فقال: «مَثَلُهُمْ کَمَثَلِ الَّذِی اسْتَوْقَدَ»، لا « الـذین استوقدوا»، وسیمرّ علیک ما فی هذا الإفراد من السرّ و اللطف إن شاء اللّٰه تع الیٰ.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 68