الوجه الثالث عشر
حـول «تَرَکَهُمْ فِی ظُلُمـٰاتٍ»
ربّـما یخطـر ب الـبال أنّ الأوفق باُسلوب الـبلاغـة والإیجاز الـمقصود فی الـکلام، أن تکـون الآیـة هکـذا: «ذهـب اللّٰه بنورهـم فهـم لایبصـرون»؛ وذلک لأجـل تمامیـة الـکلام فی الـمقام بـدون جملـة «وَتَرَکَهُمْ فِی ظُلُمَاتٍ».
وهنا إشکال آخر وهو : أنّ إسناد الـترک إلـیـه تع الـیٰ خلاف اُسلوب الـبحث، ولایساعد علیـه الـعقل، مع أنّ الـترک عدمی لایمکن أن تن الـه ید الـجعل و الـتکوین، فما هو قابل لأن یتعلّق بـه الإرادة الالهیـة هو إذهاب الـنور، ولازمـه ترکهم فی الـظلمات، فمن هذه الـجملـة تنشأ إشکالات ثلاثـة؛ بإضافـة إشکال عقلیّ آخر یأتی تفصیلـه فی بحوث فلسفیـة إن شاء اللّٰه تع الـیٰ.
أقول: الإشکالات الـمزبورة تنحلّ فی الـبحوث الـحکمیـة الآتیـة ـ إن
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 83 شاء اللّٰه تع الـیٰ ـ لارتباطها بتلک الـمسألـة کما لایخفیٰ.
وأمّا الإشکال الأوّل الـمربوط بهذه الـصحائف، فینحلّ بأنّ کتاب اللّٰه تع الـیٰ کتاب الـهدایـة والإیصال إلـیٰ مراتب الـسعادة و الـمحاسن الأخلاقیـة و الـعقلیـة، فلابدّ وأن یکون متضمّناً لجهات الـترغیب و الـتحریض نحو الـمطلوب، ولایصحّ فی هذه الـورطـة الإیجاز، کما تریٰ فی تکرار الـقصص و الـحکایات، وهدایـة الـبشر بسبل مختلفـة وطرق شتّیٰ.
ومن ذلک هذه الـکریمـة الـشریفـة، فإنّها مضافاً إلـیٰ توبیخ الـمنافقین، وتثریب الـکفّار و الـملحدین وتحقیر الـفاسقین، تکون هادیـة إلـیٰ الـخیر ومرشدة إلـیٰ الـصواب و الـحقّ، وإلـیٰ أنّ الـنفاق من الـحالات الـجحیمیـة، ومـن الأوصـاف الشیطانیة التی یجب الاجتناب عنها برفعها ودفعها، فمن لایکون من الـمنافقین یتوجّـه من هذه الآیـة إلـیٰ سوء الـنفاق فیجتنب منـه، ومـن کـان من الـمنافقین ینتقل من هذه الآیـة إلـیٰ لزوم الـتخلّی عنـه و الـفرار منـه.
فعلیٰ هذا لابدّ من ترکیز الـبحث حـول هذه الـصفـة الـمذمومـة بذکر تبعاتها تصریحاً، ولابدّ من توجیـه الأنظار ولفت الأفکار إلـیٰ خصائصها الـقبیحـة ب الـوضوح و الـتکرار؛ حتّیٰ یتجلّیٰ للمستمعین حقیقتـه الـفاسدة وباطنـه الـمظلم. وعلیـه أن تنادی بأعلیٰ صوتها: أنّ الـنفاق و الـمنافق ک الـمستوقد ناراً، کلّما أضاءت ما حولـه ب الـنار ذهب اللّٰه بنورهم، وترکهم فی الـظلمـة و الـلانوریـة، وترکهم فی الـعمیٰ و الـلابصریـة وغیر ذلک من الـنعوت الـرذیلـة و الـحالات الـکاسدة الـحسّیـة و الـعقلیـة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 84