البحث الثالث
حـول عدم عمومیّة المعاد
نُسب إلـیٰ الإفریدوسی الـیونانی: أنّ الـمعاد مخصوص بطائفـة من الـمستعلین الـواصلین إلـیٰ مقام إدراک الـکُلّیات الـعلمیـة و الـحقائق الـواقعیـة، فیکونوا ذات ذوات بهجـة ونورانیـة، ومن أرباب الـسلوک إلـیٰ مقـام الإنسانیـة، ولا یحشر مَن فی حکـم الـدوابّ والأنعـام، ومَن کـان فی ضـلال مبیـن.
وربّما یُستشمّ من هذه الآیـة الـشریفـة مایؤیّد هذه الـمق الـة؛ حیث رتّب علیٰ أنّهم الـصُّمّ الـبُکْم الـعُمْی ، وأنّهم لایرجعون ، و الـمنصرف من الـرجوع فی الـکتاب الإلهی، هو الـرجوع إلـیٰ الـبرازخ و الـقیامـة الـکُبریٰ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 129 و الـعُظمیٰ، فتکون هذه الآیـة مخصِّصـة لقولـه تع الـیٰ: «وَإلَیٰ اللّٰهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ»، وقولـه تع الـیٰ: «کُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَیْنَا تُرْجَعُونَ» وغیر ذلک من الـعمومات.
إن قلت: هذه الآیـة تنافی الآیـة الـمشار إلـیها فی سورة الإسراء قولـه تع الـیٰ: «وَنَحْشُرُهُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ عَلَیٰ وُجُوهِهِمْ عُمْیاً وَبُکْماً وَصُمّاً».
قلت: ربّما ترجع تلک الآیـة إلـیٰ حال الـمستکملین فی الـکلّیات الـعقلیـة، الـذین لم یهتدوا إلـیٰ الـشرائع الـحقّـة، بخلاف الـمنافقین الـذین هم أراذل الاُمّـة علماً وأسوأ الـدوابّ عملاً، فإنّهم صُمّ بُکْم عُمْی، فهم لا رجعـة لهم؛ ضرورة أنّ الـرجعـة لاتکون إلاّ للعقل ب الـفعل، وأمّا الـعقل الـهیولائی، فهو عین الـقوّة والاستعداد، فیکون فی حکم الـعرض، فلایکون قابلاً للبقاء بنفسـه، فیضمحلّ بخراب الـبدن وبَوار الـجسم.
أقول: سیمرّ علیک تحقیق هذه الـمسألـة فی ذیل الآیات الاُخر إن شاء اللّٰه تع الـیٰ.
وخلاصـة الـکلام: أنّ جمیع الـموجودات فی قوس الـصعود، وهی فی حال الـرجعـة إلـیـه تع الـیٰ، إلاّ أنّ منها من یکون لرجوعـه الـدوام و الـبقاء، ومنها مایرجع إلـیٰ حدّ خاصّ، وأمّا الـنفوس الـمحرّکـة الـدرّاکـة، فهی وإن کانت قوّة الـعقل ب الـفعل، ولکنّها صورة فعلیـة للبدن، وجوهرة مستقلّـة فی
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 130 الـذات دون الـفعل، فیصحّ لـه الـبقاء بدونـه فعلیٰ هذا تکون الآیـة ناظرة إلـیٰ معنیً آخر من الـرجوع، وهو الـرجوع إلـیٰ الـهدایـة، أو الـرجوع إلـیٰ الـفطرة من الـضلالـة و الـقساوة، وسیتّضح ذلک من ذی قبل إن شاء اللّٰه تع الیٰ.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 131