الوجه الثالث
مضمون الآیة تعقیب للسابقة
فی أنّ هذه الآیـة تعقیب لبیان الـمقصود فی الآیـة الاُولیٰ، وهو تشدید تحیّر الـمنافقین حال نفاقهم، کما یشتدّ تحیّر الـمصابین ب الـصیِّب الـمشتمل علیٰ الـبرق، فإنّهم لأجل وقوعهم فی الـظلمات، ابتُلوا ببلیّـة عجیبـة وعظیمـة من الـحرکـة و الـسکون، وب الـنتیجـة أحسّوا الـخطرات الـمختلفـة ومخرقات شتّیٰ من الـضواحی الـکثیرة.
أم تکون هذه الآیـة أیضاً تمثیلاً ث الـثاً جیء بـه لفضح أحو الـهم الـخبیثـة ومقاصدهم الـسیّئـة. خلافٌ.
و الـمخ الـفون توهّموا أنّ الـتشبیـه الاستعاری هنا من المـفرَّق، فشبّـه الإسلام ب الـبرق والأبصار هی الـطرق الـتی یتوصّل الـمنافقون بها إلـیٰ تنفیذ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 235 أفکارهم، و الـمراد من الإضاءة حصول ما یرجونـه من سلامـة نفوسهم وأمو الـهم، فیسرعون إلـیٰ متابعـته، ومشیُهم فیـه اهتداؤهم أو إقامتهم علیٰ الـمس الـمـة بإظهار ما یظهرونـه.
وقیل غیر ذلک من الأقوال الـمختلفـة الـمحکیّـة عن قدماء الـمفسّرین.
والذی یظهر للمحقّق: أنّ هذه الآیـة تـتمّـة لتوضیح مکایـد الـمنافقین؛ علیٰ طریق الـتمثیل الـمشترک بین الـتشبیـه الـمفرَّق و الـمرکّب، مع کون کلّ واحدة من هذه الـجمل أیضاً مستقلّـة فی کونها من الـمرکّب الـمستقلّ الـمخصوص بها فلا تخلط.
وذلک لأنّ الـمنافقین ذوو أفکار وأفعال؛ ذوو أفکار من جهـة انحرافهم عن الـطینـة الأولیـة الـمخمورة، وذوو أفعال لأجل ابتلائهم ب الـمسلمین ووقوعهم فیما لابدّ منـه، وهو الـفرار عن تبعات الإسلام محافظـة علیٰ حضارتهم الـتخیّلیـة، وهذه الآیـة فی موقف توجیـه الأمرین.
قولـه: «یَکَادُ الْبَرْقُ» بحسب الاستعمال معلوم، فإنّ لفظـة الـبرق إلـیٰ آخر الألفاظ الـمستعملـة فی الآیـة مفردة، وإلـیٰ آخر هذه الآیـة بحسب الإسناد علیٰ وجـه الـمجاز فی الـمفرد والإسناد کلاًّ علیٰ الـوجـه الـمحرّر عندنا فی حقیقـة الـمجاز.
وأمّا الـمراد الـجدّی ـ حسب ما یظهر ـ فهو أنّ برق الـطینـة و الـفکر الـصحیح إذا لمع وظهر فی باطنهم، یکاد یخطف أبصارهم الـمحدقـة علیٰ الـمسلمین، ویذهب بأبصارهم الـحاصلـة لهم فی تأیـید أنفسهم وأصدقائهم
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 236 کلّما أضاء الـبرق، وتلک الـفکرة و الـخطور الـفطری الـباطنی الـعقلانی تمیل بهم إلـیٰ الإسلام ومَشَوْا فِیهِ؛ لأنّهم بذلک یخرجون من الـظلمات الـمحیطة بهم.
«وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَیْهِمْ» ـ ب الـعرض وب الـنظر إلـیٰ ما حصل لهم ب الـفعل من الأفکار الـموجودة الـباطلـة الـمملوّة بها خزانـة أنفسهم وخی الـهم، فینمحی نور الـفطرة وضیاء الـحقّ ـ «قَامُوا».
هذا حال الـتمثیل بحسب أشخاص الـمنافقین ب الـنسبـة إلـیٰ أفکارهم الـخاصّـة بهم.
وأمّا حال الـتمثیل ب الـنسبـة إلـیٰ ح الـهم فی الـمجتمع وأفع الـهم فی مجتمع الـمسلمین، فهو أنّ الـبرق وتقدّم الإسلام بین الـحجازیّین، یَکَـٰادُ یَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ، ویسیطر علیٰ الـمنافقین؛ حتّیٰ عَمُوا وصَمّوا من شدّة الـبغض و الـغضب و الـهَدّة والانزعاج «کُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ»، وطلع علیٰ وجـه کانوا یتمکّنون من الـوصول إلـیٰ مقاصدهم وإدامـة مرامهم «مَشَوْا فِیهِ» واستفادوا منـه «وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَیْهِمْ»واُخذوا من الـجوانب الـمختلفـة «قَامُوا» لدفع ما توجّـه إلـیهم من الأخطار و الـمه الـک.
فتحصّل: أنّ هذا الـمثال یُعلن ویُظهر حقیقـة الـمنافقین فی الـحال الانفرادی والاجتماعی بأحسن اُسلوب وأعلیٰ طریقـة وأقصر الـکلام وأوجز الـحال.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 237