المسألة الثامنة
حـول کلمة «لعلّ»
«لعلّ» من الـحروف الـمشبّهـة ب الـفعل وفیها إحدیٰ عشرة لغـة، وهی: لعلْ وعلَّ وعنَّ وغنَّ وأنَّ ولَأنَّ ولَوَنَّ ورَعَلَّ ولَعَنَّ ولَغَنَّ ورَغَنَّ، وتصیر معها اثنتی عشرة لغـة.
ولا یخفیٰ ما فیـه من الاُضحوکـة.
إذا اتّصلت بها یاء الـمتکلّم یجوز أن یلحقها نون الـوقایـة، وهو الأولیٰ والأکثر، یقول: لعلّنی، ویقول أحیاناً: «لَعَلِّی أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَـٰوَاتِ».
واشتهر: أنّها کسائر أخواتها تعمل فی الاسم عمل الـنصب، وفی الـخبر
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 284 عمل الـرفع، وحکی عن الـفرّاء وأصدقائـه: أنّها تنصب الاسمین معاً، نحو «لعلّ زیداً منطلقاً»، وعن الـسیرافی فی شرح « الـکتاب»: أنّها حرف جرّ زائد عند بنی عقیل، ومجرورها فی محلّ رفع بالابتداء، نحو بحسبک زید.
ثمّ إنّـه تتّصل بها «ما» الـکافّـة، وعن جماعـة یجوز إعم الـها حملاً علیٰ «لیت».
وقد ذکروا لها معانیَ:
أحدها: الـتوقّع، وهو ترجّی الـمحبوب، والإشفاق من الـمکروه، وتختصّ ب الـممکن الـذی لاوثوق بحصولـه، وقول فرعون فیما مرّ: «لَعَلِّی أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ»جُزاف أو تخیّل إمکان.
ثانیها: الـتعلیل، وهو رأی جماعـة، وفیهم الأخفش و الـکسائی، ومنـه عندهم قولـه تع الـیٰ: «فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَیِّنَاً لَعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ أَوْ یَخْشَیٰ»، وَمَن لم یُثبت ذلک یتوسّل إلـیٰ الـحمل، حذراً عمّا یتوجّـه من الإشکال الـعقلی الآتی.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 285 ثالثها: الاستفهام، وهو الـمحکی عن الـکوفیـین، ومنـه قولـه تع الـیٰ عندهم: «لَعَلَّ اللّٰهَ یُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِکَ أَمْرَاً».
ورابعها: بمعنیٰ «عسیٰ» فیما إذا کان خبرها مقروناً بـ «أن» أو بحرف الـتنفیس. وقیل بامتناع کون خبرها فعلاً ماضیاً، خلافاً للحریری.
وفی بعض الـکلمات الـکلّیـة: کلّ ما فی الـقرآن من «لعلّ» فهی للتعلیل إلاّ «لَعَلَّکُمْ تَخْلُدُونَ»، فإنّها للتشبیـه. قال فی «الأقرب»: وهذا غریب لم یذکره الـنحاة.
وقیل: «لعلّ» یأتی بمعنیٰ «کی»، وقیل: هو فی الـقرآن بمعناه، ویکذّبهم قولـه: «لَعَلَّ اللّٰهَ یُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِکَ أَمْرَاً».
وسیظهر: أنّ منشأ هذه الـتخیّلات الـباردة عدم بلوغهم إلـیٰ حقیقـة الـمرام فی الـمقام، وإلاّ فهی بمعناها فی الـقرآن أیضاً.
أقول: أنت خبیر بأنّ «لعلّ» لیست إلاّ بمعنیٰ الـتوقّع و الـترجّی حسب
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 286 الأصل و الـتبادر والاطّراد، وحملها علیٰ الـتعلیل لا یخلو عن تعسّف، فإنّ قولـه تع الـیٰ: «لَعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ أَوْ یَخْشَیٰ» لو کان تعلیلاً لکان إخباراً، وکان لازمـه تذکّره بعد قولهما، مع أنّ الأمر لم یکن کذلک، فهو إنشاء لا إخبار ب الـضرورة، وإنّما وجـه تخلّفهم عن الـلغـة إلـیٰ هذه الـمعانی الـباردة تخیّلهم الإشکال الـعقلی فی الـمسألـة؛ ضرورة أنّ الـترجّی و الـتوقّع یستحسن من الـجاهل، وأمّا الـع الـم ب الـواقعیات فلا یترشّح منـه إرادة الـترجّی و الـتوقّع.
ولأجل هذه الـشبهـة الـمذکورة فی الـکتب الاُصولیـة ابتُلی فیها أهلها بأنّ الـمشکلـة لاتنحلّ إلاّ بذهابنا إلـیٰ الـمجازیـة، وهو أیضاً غیر صحیح.
أو إلـیٰ أنّـه مجرّد إنشاء لا جِدّ وراءه، فإنّ ما هو الـممتنع علیـه تع الـیٰ هو الـترجّی جدّاً، و الـتوقّع واقعاً، لا إنشاء، فبحسب الإرادة الاستعم الـیـة لا مجازیـة، وإنّما الـمجازیّـة بحسب الإرادة الـجدّیـة، وهی لیست بمجازیـة فی الـلغـة حتّیٰ یکون من استعمال الـلفظ فی غیر ما وضع لـه؛ ضرورة أنّها موضوعـة لإبراز الـتوقّع و الـترجّی الأعم من کونـه إبرازاً مطابقاً للواقع و الـجدّ أو مخ الـفاً.
وفیـه: أنّـه یستلزم الـکذب، فإنّ إظهار الـرجاء إذا لم یکن فی الـقلب رجاء کذب، کما لا یخفیٰ.
ولنا أن نقول: إنّ الـترجّی و الـتمنّی والتوقع ب الـقیاس إلـیٰ الـممتنعات ب الـغیر جائزة؛ لأنّ الـنظر فی حین الـترجّی إلـیٰ طبع الأمر وإلـیٰ مقتضیٰ طبع
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 287 الـواقعـة و الـقصّـة، مثلاً یجوز مع الـعلم بعدم حصول الـملک الـکلّی للإنسان، أن یترجّیٰ ذلک ویتوقّع بحسب الـحکم الاقتضائی وإن کان ممتنعاً ب الـغیر، أو معلوماً عدم حصولـه، ولاسیّما إذا کان مبادی هذا الامتناع ب الـغیر حاصلـة باختیاره، ولعلّ منـه قولـه: «لَعَلِّی أَبْلُغُ أَسْبَابَ السَّمَـٰوَاتِ»ومن هذا الـباب، فافهم ولا تخبر أحداً ما فی الـقرآن الـعزیز. فإنّ امتناع تذکّر فرعون وأمث الـه یستند فی وجـه أعلیٰ واُفق أرفع إلـیـه تع الـیٰ؛ من غیر لزوم الـجبر و الـتسخیر؛ نظراً إلـیٰ ما یقتضیـه الـنظام الـکلّی، فإذا کان الأمر کذلک یمکن أن یترجّیٰ جدّاً تذکّر فرعون؛ لأجل الـحبّ إلـیٰ الـخلق و الـعشق ب الـنسبـة إلـیٰ الـمخلوقین، إلاّ أنّـه لأجل اقتضاء الـمص الـح الـکلّیـة الـعامّـة فی الـنظام الإلهی یمتنع ب الـغیر ذلک، وهو یعلم بهذا الامتناع من غیر أن یلزم الـجهل مستنداً إلـیـه، کنْ علیٰ بصیرة.
ومن کان لـه قدم راسخ فی کیفیـة الـوحی، یتمکّن لـه حلّ الـمشکلـة من ذلک الـطریق، ولعلّ فی موضع نشیر إلـیـه حتّیٰ یتبیّن الـرشد من الـغیّ. واللّٰه هو الـغفور الـرحیم.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 288