مسألة فقهیة
حـول دلالة الآیة علیٰ أصالة التعبّدیة
قد مرّ فی مطاوی الأبحاث الـماضیـة: الإشارة إلـیٰ أنّ هذه الآیـة لا تقتضی إلاّ لزوم صِرف الـوجود من الـعبادة شرعاً، أو ترشد إلـیٰ ذلک، وقال بعضهم: إنّـه أمر بکلّ الـعبادة. وهو مختار « الـتبیان».
وفی کلام صدر الـمتألّهین: أنّ الـمختار عندنا أنّـه أمر بما تیسّر من الـعبادة. انتهیٰ.
و الـذی نرید الإشارة إلـیـه: هو أنّ من الـمسائل الـخلافیـة فی الاُصول و الـفقـه: أنّ الأصل فی الأوامر هی کونها عبادیّـة أم لا ؟
وقد تحرّر منّا فی محلّـه: أنّ الـتعبّدیـة و الـتوصّلیـة لیستا من تبعات الأمر، ولا من أوصافـه، فإنّ الأمر فی جمیع الـمراحل لـه معنیً واحد، وإنّما الـتعبّدیـة و الـتوصّلیّـة من خصوصیّات الـمتعلّقات.
ثمّ إنّ مقتضیٰ إطلاق الأدلّـة ـ کما تحرّر ـ عدم الـتعبّدیـة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 328 وأمّا الأدلّـة الـلفظیـة من الآیـة و الـروایـة فهی مذکورة فی الاُصول و الـفقـه، ومقتضیٰ فهم الـشیخ قدس سره أنّ هذه الآیـة ربّما تدلّ علیٰ أص الـة الـتعبّدیـة؛ ضرورة أنّ إیجاب الـمندوبات غیر جائز للزوم الـخلف، فتکون الآیـة ناظرة إلـیٰ أنّ ما هو فی الـشرع من الـواجب و الـمندوب، لابدّ وأن یؤتیٰ بـه عبادة إلاّ ما خرج بدلیل خاصّ من إجماع وغیره، فتکون هذه الآیـة من تلک الآیات الـمستدلّ بها علیٰ أص الـة الـتعبّدیـة.
وأنت خبیر بأنّ الأمر لا یقتضی إلاّ إیجاد متعلّقـه، وإذا امتثل الـمکلّف یسقط حسب الأصل الـعقلائی، فلا تجب الـعبادة حسب هذه الآیـة الآمرة واحدة. هذا إذا قلنا بأنّها فی مقام إیجاب عبادة اللّٰه تع الـیٰ.
وأمّا ما هو الـحقّ: أنّ هذه الآیـة وأشباهها کلّها فی مقام الـرّدع عن عبادة الأوثان والأصنام، وفی موقف إرشاد الـعقلاء وأهل الـفهم إلـیٰ أنّ الـعبادة لا تلیق إلاّ للربّ الـذی خلقکم، لا الـربّ الـذی علّمکم کمعلّم الـعلوم الـمتعارفـة، ولا الـربّ الـذی یربّیکم ویحافظ علیکم ویدافع عنکم ک الـمستخدمین علیکم، ف الـذی یلیق وینبغی لـه الـعبادة هو الـربّ الـخ الـق لکم ولمن قبلکم، فلو شئتم أن تبعدوا فاعبدوا اللّٰه لا غیره، وأمّا لزوم عبادتـه تع الـیٰ أو وجوبها الـشرعی ولو مرّة واحدة، فهو غیر ثابت بهذه الآیـة، فضلاً عن وجوب الـکلّ، أو وجوب ما تیسّر.
وقد تبیّن فیما سلف: أنّ هیئـة الأمر فی أمثال هذه الآیات لا یعقل أن تکون للإیجاب الـتکلیفی، فلا تخلط وکن علیٰ بصیرة من أمرک.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 329