المسألة الخامسة
حـول تعدّد إرادة اللّٰه
اختلفوا فی أنّ اللّٰه تع الـیٰ یرید الإرادات الـکثیرة الـمتناهیـة أو الـغیر الـمتناهیـة، أو لا یرید إلاّ إرادة واحدة أزلیـة أبدیـة، فذهب جمهور الـمعتزلـة إلـیٰ الأوّل وأبو الـبرکات الـبغدادی إلـیٰ الـثانی.
وأمّا الـمذهب الـوسط الـفصل و الـرأی الـجزل: أنّ ذاتاً واحدة ذات إرادة واحدة.
وبالجملة: هذه الآیـة الـشریفـة ظاهرة فی تعدد الإرادة وتعاقبها حسب تعاقب الـحوادث؛ حیث قال اللّٰه تع الـیٰ: «أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ»، فیکون بین الإرادات ترتّب، فیکون الـترتّب دلیلاً علیٰ الـتعدّد، وإلاّ فلا یعقل الـترتّب بین الأمر الـواحد، ولا فی الأمر الـفارد، وأیضاً قولـه تع الـیٰ: «اَلَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً» بعد قولـه تع الـیٰ: «رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُمْ وَالَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ»، فإنّـه أیضاً ظاهر فی الـتعدّد و الـترتّب بین
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 383 الـزمانیات، یستلزم الـترتّب فی الإرادة، وتعاقب بعضها عقیب بعض یُلازم تعاقب الإرادات.
أقول: قد بلغ إلـیٰ نصاب الـتحقیق ومیقات الـتدقیق: أنّ هذه الـمق الـة وأشباهها فی حقّـه تع الـیٰ تستلزم فساد ذاتـه ـ تع الـیٰ عن ذلک عُلُوّاً کبیراً ـ وذلک لأنّ الإرادة الإلهیـة إذا کثرت حسب الـحوادث یلزم کونها معرض الـحوادث، فتکون ذاتها محلّ الـزمانیات، فیکون هو فی اُفُق الـزمان ـ تع الـیٰ عن ذلک وتقدّس ـ فإرادتـه تع الـیٰ واحدة، ولیست هی إلاّ فعلـه تع الـیٰ الـذی بـه تظهر الأعیان من مکامنها و الـماهیات من الـخبایا و الـزوایا، وتلک الإرادة الـواحدة الـواسعـة الـجامعـة مختلفـة الـحکم حسب الآفاق الـمختلفـة، ففی الـمفارقات لیست محکومـة ب الـتدرّج و الـتحرّک؛ لأنّ وجود هذه الـموجودات علیٰ نعت الـوحدة، ولا ح الـة انتظاریـة لهم حتّیٰ یتحرکوا نحو کمالاتهم، وفی الـمزاولات للموادّ و الـتحرّکات الـواقعـة فی حدود الـزمان وأطرافها ونواحیها، هو عین الـوجود الـمتحرّک نحو کم الـه الـلائق بـه؛ من غیر سرایـة الـتجدّد إلـیـه تع الـیٰ؛ لأنّ الـفعل وإن کان عین الـربط إلـیٰ الـفاعل إلاّ أنّـه غیر الـفاعل، ولأجل تلک الـبینونـة و الـغیریـة لا تسری أحکام الـمادّة إلـیـه جلّ وعلا، فلا کثرة فی الإرادة حتّیٰ یتوهّم أنّ إرادتـه تشبـه إرادتنا، فإن الـقیاس ـ ولو صحّ فی مورد ـ هو باطل فی الـمقام، وتفصیلـه لأهله فی محلّـه.
وإلـیٰ کلّ ذلک یُشیر ما عن الـمعصومین علیهم السلام: «إنّما إرادته فعله»،
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 384 وعن الأمیر علیه السلام: «لیس فیالأشیاء بوالج ولا عنها بخارج»، فکن علیٰ بصیرة.
فعلیٰ هذا تکون الآیـة الـشریفـة مُشعرة بأنّ هذه الـحوادث ـ مضافاً إلـیٰ أنّها مستندة إلـیـه تع الـیٰ وإلـیٰ إرادتـه ـ تکون مشعرة بأنّ کیفیـة وجود الـحوادث تقدّماً وتأخّراً تابع لکیفیـة تعلّق الإرادة الـتی هی نفس وجودها، ولذلک صحّ أن یقال: «أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَکُمْ» علیٰ وجـه الـترتیب، فعلیٰ هذا تبیّن أنّ الآیـة الـشریفـة لا تدلّ علیٰ مرام الـخصم، ولا ینافی مرامنا هذا.
وقد تحرّر فی محلّـه: أنّ الـحقائق الـحکمیـة لا تُقتَنص من الإطلاقات الـعرفیـة، ولا من ظواهر الآیات الإلهیـة، فلیتدبّر جیّداً.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 385