الوجه الرابع
اشتماله علیٰ القوانین الفردیة والاجتماعیة
إنّ الـقرآن یشتمل علیٰ الـقوانین الـموضوعـة الـمحتاج إلـیها الـبشر فی حیاتـه الـفردیـة والاجتماعیـة، ویحتاج إلـیها الإنسان فی سیاستـه
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 497 الـمنزلیـة و الـبلدیـة و الـقطریـة و الـمملکیّـة الـکلّیـة.
إنّ الـقرآن ناظم الـنظام الـخاصّ وصاحب الـمکتب الـحدیث فی کیفیـة إدارة الـملک وإعاشـة الـطبقات:
ففیـه قوانین فردیـة راجعـة إلـیٰ الـعباد وخ الـقهم، وهی تربویـة روحیـة لازمـة؛ حفاظاً علیٰ الـنظام الـعامّ الاجتماعی، ومنها قوانین الـطهارة و الـصلاة و الـصوم والاعتکاف.
وفیـه الـقوانین الـمشتملـة علیٰ الـنظام الـم الـیّ، وعلی الـمسائل الاقتصادیـة الـتی علیها رحیٰ وجود الـوحدات الاجتماعیـة الـصغیرة و الـکبیرة، ومنها قانون الـخمس و الـزکاة.
وفیـه ما یکون من الـقوانین الارتباطیـة الـفردیـة والاجتماعیـة، و الـمعارفـة الـلازمـة بین الـعوائل الـجزئیـة و الـکلّیـة، ومنها قانون الـحجّ، وفیـه قوانین إداریـة وتحلیل وتحریم ب الـنسبـة إلـیٰ الـمسائل الـکلّیـة الـعقلائیـة، الـقائمـة بها الأسواق الاختصاصیـة و الـمشترکـة. ومنها قانون حلّیـة الـتجارة وحرمـة الـربا، وحلّیـة الـنکاح و الـزواج وتحریم الـزنا، وما یشبهـه. ومنها قانون الـسلطـة علیٰ الأموال وتحریم أکل مال الـغیر.
وفیـه قوانین موضوعـة للسیاسـة الاجتماعیـة الـلاّزم رعایتها جدّاً فی الـحیاة الـحسنـة و الـمعاش الـمستریح، ومنها قوانین فی موارد الـسرقات و الـزنا و الـلواط وجعل الـدیّات و الـحدود علیٰ الـتفصیل الـمحرّر فی الأنظمـة الـفقهیـة و الـمنظّمات الإسلامیـة.
ففی هذه المراحل الثلاث روعی لکلّ جانب حقّـه. وب الجملـة، له مکتب خاصّ محرّرفی محالّه. ولْیوفّقنی الله تعالیٰ لتوضیحه فی رسالة علیٰ حدة آمین.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 498 فإلیک أیُّها الإنسان الـمنصف ب الـفطرة و الـبعید عن الـلجاج ب الـطبع، وإلـیک أیّها الإنسان الـعاقل ب الـخلقـة و الـمتجنّب عن الـحوسات ب الـمُثُل الاکتسابیـة الـمتحقّقـة فی وجودک وعلیک أیّتها الـعائلـة الـبشریـة بعد ذاک وذلک ب الـتأمّل حقّ الـتأمّل و الـتدبّر حقّـه فی هذا الـکتاب من هذه الـناحیـة، وأنّـه کیف یمکن لبشر فی تلک الأزمنـة الـقصیرة الـمبتلیٰ بتلک الـمزاحمات الـوجودیـة و الـمضادّات الـخارجیـة و الـمعاندات الـمضبوطـة فی الـتأریخ، أن یأتی بمثل هذا الـحدیث ولو کان بعضهم لبعض ظهیراً؟!
لست أقول: إنّ سائر الأنظمـة الـبشریـة لاتحتوی علیٰ الـمص الـح الـفردیـة والاجتماعیـة حتّیٰ تقول: إنّ کثیراً من الـمم الـک الـراقیـة یعیشون أحسن الـمعیشـة فی الأقطار الإسلامیـة، مع أنّهم بأنفسهم تکفّلوا وضع الـقوانین وجعل الـموادّ والأحکام.
بل أنا أقول: إنّ الإسلام یتمکّن من الـمحافظـة علیٰ سعادات الـبشر الـفردیـة والاجتماعیـة، وإنَّ الإسلام یحتوی علیٰ الـنظام الـخاصّ ابتکاراً وابتداعاً، وکان سلاطین الإسلام یحکمون بها طیلـة الأعوام و الـقرون ویکون حاویاً لقوانین خاصّـة باقیـة باختلاف الأزمان و الـدهور، ویتمکّن من الـمحافظـة علیٰ الـنظام الـلاّزم فی الـمنزل و الـبلد و الـمملکـة أبداً، وهل هذا یمکن أن یترشّح من مخ إنسان کسائر الأناسی، ومن فکر بشر کسائر الأفراد، أم کلّ ذلک یکشف عن حقیقـة وراء هذه الـمسائل، هی الـمدبّرة الـناظمـة، وهی الـقوّة الـغ الـبـة الـملاحظـة لجمیع الأعوام و الـملل فی جمیع الأعصار والأمصار؟
وهذا من عجیب الأمر أنّـه ظهر فی الـحجاز الـبرّ الـفاقد لجمیع نشآت
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 499 الـحیاة ونشاطات الـعقل و الـدرک، موجود أتیٰ بهذا الـکتاب لتدبیر الـمم الـک و الـمعیشات الـجزئیـة و الـکلّیـة فی الـقرون الآتیـة الـتی تبلغ فیها الـحضارة أعلیٰ درجتها، وتفوق فیها الـمتمدّنات غایـة مأمولها ونهایـة رقاها، ویمشی معها مشیاً مازجاً. ولعلّ الله یُحدث بعد ذلک ماینال بـه الإنسان من سوء تدبیراتـه فی الأنظمـة الـموجودة؛ سواء فیـه الأنظمـة الـتی تنتسب إلـی الـمادیّـین أو الـمنتحلین لإحدیٰ الـدیانات الـباطلـة فی عصر الـقرآن؛ ولو کانت حقّـة فی عصور خلت ومضت.
ولهذه الـمسألـة أیضاً مقام آخر لما فیها من الـدعاویٰ الـمحتاجـة إلـیٰ الـبرهان، وهناک تشکیکات یصعب جدّاً حلّها، فلاتخلط.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 500