المسألة الثانیة
حـول معنیٰ حروف النداء
إنّ الألفاظ للمعانی، وتحکی عنها عند الاستعمال، فتکون حاکیات. ومعنیٰ الـحکایـة وجود الـمحکی قبل الاستعمال؛ حتّیٰ یکون الـلفظ فی
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 272 ظرف الاستعمال حاکیاً لـه، وهذا ممّا لا یتصوّر فی حرف الـنداء وبعض الـحروف الاُخر، وحروف الـنداء أظهر الـحروف فی أنّها أدوات إیجادیـة وتوجد بها معانیها، مع أنّ سببیتها لوجود الـمعانی تناقض کونها مستعملـة فیها؛ بداهـة أنّ الاستعمال فرع وجودها، فکیف یُعقل أن یکون الـسبب فرع الـمسبّب؟! ولذلک غمّضوا عیونهم وغَضّوا أبصارهم فی الاُصول، وق الـوا: الاستعمال علیٰ ضربین: إیجادی وحکائی، وحروف الـنداء من الاستعمالات الإیجادیـة؛ غفلـة عن أنّـه أمر لایناسب الـعقول الـعرفیـة، بل ولا الـعقل الـبرهانی؛ لأنّ الاستعمال الإیجادی توصیف باطل غیر معقول.
و الـذی هو الـتحقیق: أنّ هذه الـحروف موضوعـة لاعتبار الـمعانی الـحاصلـة بغیرها تکویناً، مثلاً الـصوت الـرشید الـع الـی نداء الـبعید حقیقـة، وهذا الـصوت بناء ارتکازی من الـناس علیٰ ندائهم إخوانهم عند الـحاجـة وإرادة الإعلان والإعلام، وحیث تَوجّـه عائلةُ الـبشر بعد ذلک إلـیٰ لزوم اعتبار هذا الـنداء، ولما لا یصحّ الـتصویت الـمزعج، ولا ینبغی أحیاناً رفع الـصوت فی الـمحاضر و الـمحافل، توسّل إلـیٰ وضع لغـة أو لغات یعتبر وراءها هذا الـنداء الـع الـی؛ أی إنّ الـمتکلم فی صورة الـنداء الـع الـی کان یرید الاهتمام بالأمر، فإذا ألقیٰ کلمـة یاء مثلاً، فهو یرید الأمر الـمهتمّ بـه، فلا استعمال لهذه الـحروف فی شیء، بل هو استعمال إلـقائی؛ نظراً إلـیٰ انتقال الـمخاطب إلـیٰ ما أراده وقصده وراء هذه الـلفظـة. وقیل: جمیع الألفاظ من
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 273 هذا الـقبیل. وتفصیلـه فی الاُصول واُصولنا، فلاتذهل.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 274