وعلیٰ مسلک أرباب التفسیر
«اَلَّذِی» أی اعبدوا الـذی «جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً» ص الـحـة للافتراش والإقامـة فیها «وَالسَّمَاءَ بِنَاءً»أی هو الـذی کوّن الـسماء بنظام متماسک کنظام الـبناء، وسوّیٰ أجرامها علیٰ ما نشاهد، وأمسکها بسُنّـة الـجاذبـة الـعامّـة حتّیٰ لاتقع علیٰ الأرض، ولایصطدم بعضها ببعض حتّیٰ یأتی الـیوم الـموعود.
«وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَکُمْ»، أی وهو الـذی أنزل من الـسماء مطراً یُسقیٰ بـه الـزرع، ویُغذّیٰ بـه الـنبات، وأخرج بـه من الـثمرات ما تنتفع بـه وتأکلـه، «فَلاَتَجْعَلُوا لِلّٰهِ أَنْدَاداً» فلاتعبدوا الأوثان والأصنام، ولاتجعلوها أمثالاً، ولاتـتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً «وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» بطلان ذلک، وأنّکم أنتم الـذین قلتم فی جواب قولـه تع الـیٰ:
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 395 من رزقکم من السماوات والأرض ومن یُدبر الأمر، إنّـه هو اللّٰه، فلِمَ إذاً تدعون غیره وتستشفعون بـه؟!
وقریب منه: «اَلَّذِی جَعَلَ لَکُمْ» أیّها الـکفّار و الـمشرکون و الـملحدون «فِرَاشاً» مرکزاً للتربیـة فی أنحاء الـحرکات الـمادّیـة و الـمعنویـة «وَالسَّمَاءَ بِنَاءً»وسقفاً مرفوعاً؛ لیستولی علیکم ولا یسقط فیهلککم، کلاّ بل الـسماء فیـه الـخیر الـکثیر، کیف لا؟! «وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً»وکوّن فیها ماء الـمطر «فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَکُمْ»وإن کان رزقاً لأنعامکم وسائر الـموجودین، إلاّ أنّکم أولیٰ بذلک منهم، فکیف تُشرکون بمثلـه، «فَلاَ»ینبغی أن «تَجْعَلُوا لِلّٰهِ» الـذی صنع کذا، ویکون علیٰ کذا «أَنْدَاداً»، ولا تتّخذوا جماعـة من الأسفلین لکم أرباباً، فإنّـه لا یلیق بساحتکم وبجنابکم. «وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»وأنتم من الـعلماء الـراشدین الـمهتدین الـمتوجّهین إلـیٰ أطراف الـمسألـة وضواحی الـقضایا و الـمسائل.
وقریب منـه: «اَلَّذِی جَعَلَ» وأوجد الأرض لکم أیّها الـمؤمنون الـموحّدون للذات وللصفات والأفعال «فِرَاشاً»وبساطاً ومهداً کاملاً تنامون وتـتقلّبون علیها، «وَالسَّمَاءَ بِنَاءً»و الـجوَّ الـمتراکم الأخضر الأزرق ک الـبناء و الـسقف لبیتکم، وهی الأرض، «وَأَنْزَلَ» اللّٰه تع الـیٰ «مِنَ» ناحیـة «السَّمَاءِ مَاءً» الـمطر وإن کان منشؤه من الأرض؛ نظراً إلـیٰ تسهیل الأمر علیکم؛ رأفـة بکم وعطوفـة بمعاشکم واستراحتکم «فَأَخْرَجَ بِهِ» اللّٰه تع الـیٰ «مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَکُمْ» وثمراتکم الـتی هی أرزاقکم بداعی بقائکم الـذی هو محبوب کلّ ذی حیاة، فهذا الـربّ الـناظر فی أمرکم الـتکوینی والاجتماعی، وهذا الإلٰـه الـخ الـق لهذه الـوسائل والأسباب الـکثیرة،
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 396 الـمنتهیـة إلـیٰ بقائکم فی هذه الـنشأة، یطلب منکم ویدعوکم إلـیٰ الـمعاش الأعلیٰ و الـنشأة الآخرة، وکسب الـفضائل وجلب الـحیاة الـطیّبـة لها؛ بقولـه: «فَلاَ تَجْعَلُوا لِلّٰهِ أَنْدَاداً» حتّیٰ تصلوا إلـیٰ الـحیاة الـکاملـة الأرفق و الـدار الآخرة الأوسع والأسعد «وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»أنّـه غنی عنکم وعن عبادتکم وعن توسیط الأسباب؛ وعن خلق الآباء و الـسماوات والأرض، فیکون کلّ ذلک راجعاً إلـیکم.
وقریب منه: أنّ اللّٰه الـذی کان خلقکم بیده وربّاکم وأحسن تربیتکم، جدیر بأن یُعبد ولا یُعبد غیره، ولا یجعل لـه الأنداد والأضداد، وهو أیضاً جدیر لأنّـه ـ مضافاً إلـیٰ تلک الـنعم الـمشترکـة بینکم وبین سائر الـموجودات ـ «جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً»وصیَّر لکم ولأجلکم ـ اهتماماً بشأنکم وإفضالاً بحقکم ـ الأرض مبسوطـة غیر کرویـة بساطاً غیر مستدیر، وفراشاً علیٰ غیر الأشکال الـسماویـة؛ حفاظاً علیکم.
«وَ» جعل لکم لا للغیر ـ ولو کانت الأغیار مستفیدین من هذه الـنعم ـ «السَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً» بداعی شأنکم و الـرفق فی حقکم، فأنتم وسائر الـخلائق الـمادّیـة، مشترکون فی أنّ اللّٰه خ الـقکم وخ الـق الأسباب الـمنتهیـة إلـیکم؛ من الآباء والاُمّهات والأجنّـة و الـنواة، ولکنّم مخصوصون بأنّ خلق الأرض و الـسماء الـخاص وإنزال الـماء کلّـه لکم «فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَکُمْ» فعلیٰ هذه الـنعم الإیجادیـة أوّلاً، والإمدایـة ثانیاً، والإعدادیـة الـقریبـة منّا فی الإفادة والاستفادة ث الـثاً، لا ینبغی أن تجعلوا أنداداً، «فَلاَ تَجْعَلُوا»بإنصافکم ومُرُوّتکم «لِلّٰهِ أَنْدَاداً»، فإنّـه ظلم وطغیان وعصیان وخذلان وخروج عن الـفطرة وعن جادّة الإنسانیـة «وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 397 جمیع هذه الاُمور بعد الـرجوع إلـیٰ مغزاکم، وبعد الـتدبّر فی أمرکم وح الـکم ومبدئکم ومعادکم ومعاشکم.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 398