الجهة الرابعة
حول خاتمیة الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم
لابأس بالإشارة إلـیٰ أنّ مسألـة خاتمیـة نبیّ الإسلام أیضاً، لیست إلاّ کسائر الـمسائل الـتی ترجع إلـیٰ قصور عللها وفتور مقتضیاتها، ولا معنیٰ لکونها مورد الإرادة الـخاصّـة، فأصل الـتصدّی للرس الـة و الـخاتمیـة کلّـه من شؤون الـع الـم کسائر شؤون الـع الـم، ویرجع إلـیٰ وجود اجتماع سلسلـة من الـعلل وإلـیٰ فقد تلک الـشرائط الـلاّزمـة؛ من غیر أن یخصِّص الـغیب شخصاً لذلک، أو یمنع شخصاً عنـه، وفیض الله تع الـیٰ فی جمیع الأحیان والأزمان عامّ مطلق ، وإنّما الـلاّزم کسب الإمکانات الاستعدادیّـة الـتی لاتحصل إلاّ للأوحدیّـین الـذین فی الأصلاب الـشامخـة والأرحام الـمطهّرة و الـذین شدّوا نطاقهم فی الـلی الـی الـسرمدة الـمستمرّة والأیّام الـصائمـة الـدائمـة.
وعلیٰ هذا لایأتی بعد رسول الإسلام رسول ولا نبیّ فی هذا الـقطر من الـع الـم الـکلّی وفی هذا الـنظام الـشمسی، من غیر أن یمتنع علیٰ کلّ إنسان إلاّ ب الـغیر؛ وبعدم قابلیـة الـقابل، من غیر قصور فی فاعلیـة الـفاعل، وفتورٍ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 479 فی الـفیض الإلهی و الـرحمـة الـرحیمیـة و الـرحمانیـة.
ولایأتی بعد ذلک کتاب مثل هذا الـکتاب من نبیّ مثلـه، من غیر أن ینسدّ بابـه ب الـسدود الـخاصّـة الإلهیـة، بل الانسداد منتسب إلـیٰ الـفتور الـمشاهد فی الآباء والأبناء والاُمّهات والأشخاص؛ ضرورة أنّ تحصیل الـقابلیـة الـتامّـة الـعامّـة ممکن لظهور الـصورة الإلهیـة الـکلّیـة فی هذه الـنشأة مراراً، ولکن لایشدّون نطاقهم ولایهتمّون بأمرهم ولایعتنون بذلک؛ لانحراف طریقهم عن الـمستقیم وصراط الله الـعزیز الـحمید، ولاحتجاب فطرتهم الـمخمورة ب الـحُجب الـظُّلمانیـة و الـشَّهَوات الـحیوانیـة و الـلذائذ الـنفسانیـة.
وإلیٰ هذه الطریقة العقلیة واللطیفة العرفانیة، یشیر أحیاناً قولـه تع الـیٰ: «لاَیَأْتُونَ بِمِثْلِهِ»؛ من غیر أن یستندهم إلـیٰ الـعجز وعدم الإمکان والامتناع، ولایستند إلـیٰ منع الـفواعل الإلهیـة عن ذلک، بل الأمر مستند إلـیٰ عدم اهتمامهم علیٰ الـوجـه الـصحیح، وعدم قیامهم لذلک ب الـطریقـة الـصحیحـة فیُخبِر ویُنبئ عن أنّهم «لاَیَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ کَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِیراً» ؛ لأنّ لکلّ شیء سبباً وعلّـة تُخَصّ بـه، وتکون بینـه وبین علّتـه سِنْخیّـة خاصّـة، ومجرّد اجتماع الـناس لایکفی، فلو کان بعضهم لبعض ظهیراً فی إنزال الـمطر لایأتون بـه؛ لأنّ سبب هذا الأمر لیس ما توهّموه، بل الـسبب و الـعلّـة ما عرفت؛ من تحصیل الـمادّة الـصافیـة الـخ الـصـة الـمطهّرة الـقابلـة الـکاملـة فیها، فإنّـه عندها ینزل من الـسماء الإلهیـة کتاب ربّما یکون أحسن ممّا فی أیدینا أضعافاً مضاعفـة؛ لعدم تحدّد الـفصاحـة
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 480 و الـبلاغـة، وأنّ الـکیفیات تـتحمّل الاشتداد بغیر نهایـة، کما تحرّر فی محلّـه، ولذلک تختلف الـسور الـقرآنیـة فی الـفصاحـة و الـبلاغـة، وفی الأدب و الـفخامـة و الـعظمـة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 481