إشکال آخر علی الاستصحاب
3الثانی : أنّ المستصحب لابدّ أن یکون حکماً شرعیاً أو موضوعاً ذا حکم شرعی وکلاهما مفقودان فیما نحن فیه ، إذ جواز الرجوع إلی مثل العلاّمة ونحوه لو کان بجعل من الشارع وتأسیس منه کان حکماً شرعیاً ، ولکنّک قد عرفت
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 464 عدم الدلیل علی التأسیس فی باب التقلید ، وإنّما الثابت فیه هو سیرة العقلاء وعدم ردع الشارع عنها ولیس الدائر بین العقلاء فی هذا الباب إیجاب ووجوب علی العمل بقول أهل الخبرة ولا جواز تکلیفی لعدم اعتبار الآمریة والمأموریة بینهم ، وإنّما الثابت الدائر بینهم هو الاحتجاج بقول أهل الخبرة فی کلّ فنّ وصنعة ، وبعدم الردع یستکشف أنّ الشارع أیضاً فی هذا المعنی کأحد منهم لا أ نّه جعل من قبله حکم فی هذا الباب والاحتجاج لیس حکماً شرعیاً ولا موضوعاً ذا حکم کذلک .
وربّما یجاب عن هذا الإشکال بأ نّه لا یرد علی التقریر الرابع من تقاریب الاستصحاب ؛ أعنی به ما یجری فی نفس الحکم المستفتی فیه ، إذ صلاة الجمعة مثلاً کانت فی عصر العلاّمة واجبة الإتیان أو جائزة الترک فیستصحب الوجوب أو الجواز الثابت بفتوی العلاّمة ورأیه .
فإن قلت : لیس فتوی العلاّمة حکماً شرعیاً متیقّناً ، وإنّما الثابت أماریة قول العلاّمة وکونه طریقاً شرعیاً إلی الواقع ، فکیف یشمله قوله : «لا تنقض الیقین بالشکّ» ؟
قلت : وزان ذلک وزان سائر الموارد التی یجری فیها الاستصحاب مع کون الحکم المستصحب مفاد أمارة أو أصل ، وقد عنون المبحث صاحب «الکفایة» فی تنبیهات الاستصحاب وحکم بجریان الاستصحاب فی هذا القبیل من
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 465 الأحکام ، ووجّه له وجهاً . وقرّب المحقّق النائینی جریانه فیها بوجه آخر ، ونحن أیضاً قرّبناه بوجه ثالث وحاصله : أنّ المستفاد من مجموع أخبار الاستصحاب جریانه فی هذا القبیل من الأحکام قطعاً ، إذ قلّما یتّفق إحراز حکم أو موضوع ذی حکم بالعلم الوجدانی ، وهل تری من نفسک إحراز زرارة وضوئه وطهارة بدنه ولباسه بتمام الخصوصیات والأجزاء والشرائط بالقطع الوجدانی ، لا والله ، ولا یتّفق ذلک إلاّ نادراً ، فلا یحرز مثل الوضوء بأجزائه وشرائطه إلاّ بإجراء أصالة الطهارة فی مائه مثلاً وإجراء قاعدة التجاوز فی نفسه ونحو ذلک من الأمارات والاُصول المنقّحة للموضوع ، ومع ذلک حکم الإمام باستصحاب الوضوء وکذا الطهارة المستصحبة فی صحیحته الثانیة .
وبالجملة : فالمستفاد من أخبار الباب هو أنّ مجری الاستصحاب فی الأغلب هو هذا القبیل من الأحکام والموضوعات الثابتة والمنقّحة بالاُصول والأمارات .
وعلی هذا : فلابدّ من حمل الیقین فی قوله : «لا تنقض الیقین بالشکّ» علی کونه معتبراً بما هو حجّة وطریق إلی الواقع لا بما هو وصف خاصّ فکأ نّه قال : «لا تنقض الحجّة علی الواقع باللاحجّة» ومقتضاه ترتیب آثار الواقع الذی ثبت بحجّة شرعیة ، یقیناً کانت أو أمارة أو أصلاً محرزاً ، ما لم یقم حجّة علی ارتفاعه وزواله . وکیف کان : فجریان الاستصحاب فی الأحکام والموضوعات الثابتة بالأمارات والاُصول لا إشکال فیه ، هذا .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 466