کلام الشیخ الأعظم ونقده
قال قدس سره ما حاصله : أنّ شمول «لا تنقض» للشکّ السببی یرفع الشکّ فی المسبّب فیخرج تخصّصاً ، وأمّا شموله للمسبّبی فیستلزم خروج السببی عن حکم العموم مع کونه فرداً من غیر مخصّص فی البین . مثلاً لو غسل الثوب النجس بماء کان طاهراً فی السابق وشکّ فی بقاء طهارته فعلاً فاستصحاب طهارة الماء یرفع الشکّ المسبّبی دون العکس .
بیان ذلک : أنّه لو عملنا باستصحاب نجاسة الثوب کنّا قد طرحنا الیقین
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 163 بطهارة الماء من دون دلیل علی نجاسته ، لأنّ بقاء النجاسة فی الثوب لا یستلزم شرعاً زوال الطهارة عن الماء بخلاف ما لو عملنا باستصحاب طهارة الماء ، فإنّه یوجب شرعاً زوال نجاسة الثوب بالدلیل الشرعی وهو ما دلّ علی أنّ الثوب المغسول بالماء الطاهر یطهر .
فإن قلت : کلّ واحد من الیقین بطهارة الماء والیقین بنجاسة الثوب یقین سابق شکّ فی بقائه ، وحکم الشارع بحرمة النقض بالنسبة إلیهما سواء ، لأنّ نسبة حکم العامّ إلی أفراده علی حدّ سواء فلم یقدم أحدهما حتّی یرفع به الشکّ عن الآخر .
قلت : أمّا أوّلاً : فلأنّ المفروض أنّ فردیة أحدهما موقوفة علی خروج ما هو مفروض الفردیة ، وحینئذٍ فشمول العامّ لما هو مفروض الفردیة بلا مانع لعدم توقّف فردیّته علی شیء ، وأمّا شموله للآخر فیستلزم التخصیص بالنسبة إلی ما هو فرد بلا وجهٍ أو بوجه دائر لأنّ تخصیص العموم ورفع الید عنه بالنسبة إلی مفروض الفردیة یتوقّف علی شمول العامّ للفرد الآخر ، وشموله له یتوقّف علی فردیّته ، وفردیّته تتوقّف علی تخصیصه بالنسبه إلی مفروض الفردیّة وإلاّ لخرج تخصّصاً کما عرفت ، وهذا الکلام سارٍ فی کلّ مقام کان أحد الأمرین فرداً للعامّ مطلقاً والآخر فرداً له بشرط عدم شموله للأوّل .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 164 وأمّا ثانیاً : فلأنّ الشکّ السببی مقدّم رتبة علی حکمه وعلی الشکّ المسبّبی فهما فی رتبة واحدة ، وحکم الشکّ المسبّبی أیضاً متأخّر عن موضوعه ، فحکم الشکّ السببی متقدّم بحسب الرتبة ولا یبقی بعده مجال للحکم فی المسبّبی ، انتهی .
أقول : عمدة الدلیل علی تقدّم الأصل السببی هو ما ذکره قدس سره قبل بیان الإشکال وسیأتی تحقیقه ، وأمّا ما ذکره فی دفع الإشکال من الجوابین فیرد علی الثانی منهما :
أوّلاً : أنّ الرتب العقلیة غیر ملحوظة عند العرف وفی أفهامهم التی هی المیزان فی الخطابات الشرعیة ، فإنّ العرف یری کلاًّ من طهارة الماء ونجاسة الثوب فی المثال متعلّقاً لیقین سابق وشکّ لاحق ، من دون لحاظ تقدّم الشکّ الأوّل علی الثانی بحسب الرتبة .
وبعبارة اُخری: الترتّب العقلی بین الفردین لا یستلزم الترتّب فی شمول العامّ.
وثانیاً : أنّه لو سلّم البناء علی لحاظ الرتب العقلیة .
فنقول : إنّ مفاد «لا تنقض» بالنسبة إلی طهارة الماء لیس إلاّ البناء علی طهارته والحکم بها تعبّداً ، وهذا المعنی بنفسه لا ینافی الاستصحاب الجاری فی الثوب ، وإنّما ینافیه الحکم المترتّب علی طهارة الماء وهو مطهّریته لنجسٍ لاقاه ، بل المطهّریة أیضاً لا تنافیه ، وإنّما ینافیه أثر المطهّریة وهو طهارة المغسول .
وبالجملة : فحرمة النقض فی السبب مقدّمة علیها فی المسبّب برتبة واحدة ولازم ذلک تقدّم الحکم بطهارة الماء علی الحکم بنجاسة الثوب برتبة . ومقتضی
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 165 ذلک مقارنة أثر طهارة الماء المتأخّر عنها وهو مطهّریته ومعیّـته لنجاسة الثوب ، ولو قیل بکون طهارة المغسول أثراً للمطهّریة لتقدّم الحکم بنجاسة الثوب علی الحکم بطهارته برتبة فلا وجه للحکم بطهارته .
فإن قلت : مفاد «لا تنقض» وجوب ترتیب الآثار ، فمفاده بالنسبة إلی طهارة الماء ترتیب آثارها التی منها طهارة المغسول به ، فلیس طهارة المغسول متأخّرة برتبة أو رتبتین عن حرمة النقض الجاری فی السبب بل هی عینها .
قلت : سیأتی أنّ مفاد «لا تنقض» لیس ترتیب الآثار ، بل یثبت بالاستصحاب نفس ما تیقّن سابقاً وبإحرازه تعبّداً یترتّب علیه آثاره ، هذا .
وثالثاً : أنّ الحکم بحرمة النقض بالنسبة إلی السبب ونفس الشکّ المسبّبی وإن کانا فی رتبة واحدة من جهة کون کلّ من الحکم والمعلول من قبیل لازم الوجود للموضوع والعلّة ، ولکنّ الموضوع لحرمة النقض بالنسبة إلی الشکّ المسبّبی نفس شکّه فهو مقدّم علیها دون الحکم فی السببی ، إذ ما مع المتقدّم فی التقدّم العقلی لیس بمتقدّم لعدم تحقّق ملاک التقدّم وهو العلّیة فیه .
ویرد علی الأوّل من الجوابین الذین ذکرهما :
أوّلاً : أنّ أثر المشکوک السببی إمّا أن ینحصر فی المسبّبی أم لا .
ففی الثانی : لا یوجب جریان الأصل فی المسبّبی تخصیص العموم بالنسبة إلی السببی لإمکان جریانه فیه أیضاً بالنسبة إلی سائر الآثار التی لیست بنفسها مجری للاستصحاب ، بل یمکن أن یقال : بتقدّم ذلک علی إجراء الأصل فی خصوص السببی وطرحه فی المسبّبی ، إذ الثانی موجب لخروج المسبّبی عن
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 166 العموم رأساً بخلاف الأوّل فإنّه یوجب تقیـید إطلاق «لا تنقض» الجاری فی السبب دون طرحه رأساً والتقیـید أولی .
اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ الأمر دائر بین التقیـید والتخصّص لا التخصیص فلا نسلّم کون التقیـید أولی ، بل التخصّص أولی ، بل یتعیّن فی المقام ، لاستلزام شمول العامّ للمسبّبی تقیـید السببی بلا وجه أو بوجه دائر بعین التقریب المتقدّم فی التخصیص .
وعلی هذا : فیجاب فی صورة عدم انحصار أثر السببی ما یجاب به فی صورة الانحصار وهو أنّه لأحد أن یقول : لِمَ تحکمون فی صورة شمول العموم للمسبّبی بتخصیصه بالنسبة إلی السببی حتّی یرد علیه بکونه تخصیصاً بلا وجه أو بوجه دائر ؟ فإنّ لنا أن نقول بعد شموله للمسبّبی بشموله للسببی أیضاً فیتعارضان ویتساقطان کما فی سائر الاُصول المتعارضة .
ثمّ إنّ الجواب الثانی عن الإشکال قد کان تقریبه الصحیح ما ذکرناه ولکن یظهر من عبارة «الرسائل» تقریب آخر له غیر صحیح .
وحاصله : أنّ الشکّ المسبّبی والحکم بحرمة النقض کلاهما من قبیل لازم الوجود للشکّ السببی فهما فی رتبة واحدة فلا یعقل صیرورة أحدهما موضوعاً للآخر .
ووجه فساد هذا التقریب واضح فإنّ الحکم بحرمة النقض ینحلّ إلی أحکام متعدّدة بعدد الیقین والشکّ فالحکم الثابت للشکّ السببی غیر الحکم الثابت للمسبّبی ، فافهم .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 167