وجود الموضوع فی القضایا وتحقیق الکلام فیه
إنّه إذا جعل عدم شیء موضوعاً لحکم فالفروض المتصوّرة فیه کثیرة وإن کان أغلبها مقطوع البطلان واقعاً .
الأوّل : أن یکون الموضوع مأخوذاً بنحو الإیجاب العدولی وذلک مثل أن یکون تحیّض المرأة إلی خمسین مثلاً ، معلّقاً علی کونها غیر قرشیة .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 32 الثانی : أن یکون مأخوذاً بنحو الموجبة السالبة المحمول کما إذا قلنا بأنّ الموضوع للتحیّض إلی خمسین ، المرأة المتّصفة بسلب القرشیة عنها .
الثالث : أن یکون مأخوذاً بنحو السالبة المحصّلة المحمول ، التی موضوعها موجود کما إذا جعل الموضوع للحکم ، المرأة الموجودة التی لم تکن قرشیة من دون أن یلحظ اتّصافها بهذا السلب .
الرابع : أن یکون مأخوذاً بنحو السالبة المحصّلة ، الأعمّ ممّا یکون سلبها بسلب المحمول أو بسلب الموضوع .
الخامس : أن یؤخذ الموضوع مرکّباً من أمر وجودی وأمر عدمی .
وبعبارة اُخری : یکون ملتئماً من مفاد هلیّة بسیطة موجبة وهلیّة بسیطة سالبة کما إذا قیل بأنّ الموضوع للحکم السابق هو أن یکون هنا امرأة موجودة وأن یکون القرشیة أو قرشیّـتها أو النسبة بینها وبین القرشیة معدومة من دون أن یلحظ اتّصاف المرأة بوصف مّا ومن دون أن یلحظ وصف التقارن أیضاً بین هذه الحیثیة الوجودیة وتلک الحیثیة العدمیة .
السادس : أن یکون الموضوع عبارة عن مفاد هلیّة بسیطة سالبة فقط بأن یکون الموضوع للحکم السابق هو عدم قرشیة المرأة .
هذه هی الفروض المتصوّرة فی أخذ عدم شیء دخیلاً فی الموضوع .
فإن قلت : هاهنا فرض آخر وهو أن یکون الموضوع مرکّباً من مفاد هلیّة بسیطة موجبة وهلیّة مرکّبة سالبة . وذلک مثل أن یکون الموضوع للحکم السابق هو أن یکون هناک امرأة وأن لا تکون هذه المرأة قرشیة بنحو السالبة المحصّلة الأعمّ ممّا یکون سلبها بسلب الموضوع ، بل نقول : إنّ الفرض الثالث یرجع إلی
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 33 هذا الفرض من جهة أنّ السالبة لا یدخل فی مفهومها تحقّق الموضوع فلو اعتبر ذلک کان هذا الاعتبار اعتباراً زائداً علی ما یقتضیه مفهوم القضیّة فیرجع إلی ترکّب الموضوع من هلیّة بسیطة وسالبة محصّلة مرکّبة .
قلت : أمّا ما ذکرت أخیراً من رجوع الفرض الثالث إلی ما ذکرناه من فرض ترکّب الموضوع فلا نسلّمه ، فإنّ مفاد جمیع السوالب المتداولة فی ألسنة العقلاء هو سلب المحمولات عن الموضوعات التی فرض وجودها من دون أن یکون فی ذلک لحاظ للترکّب . وقد عرفت : أنّ السالبة المعتبرة عند العرف هو هذا القسم منها ، إذ السالبة التی یکون السلب فیها بسلب الموضوع أمر مفروض فی مقام التعلیم والتعلّم .
وأمّا ما ذکرت من إمکان فرض ترکّب الموضوع ممّا ذکرت ففیه : أنّ ذلک یستلزم اعتبار حیثیة واحدة مرّتین فی موضوع واحد ، ففی المثال یلزم أن یلاحظ حیثیة المرأة فی الحکم السابق تارة : بنفسها وبحیالها من جهة کونها جزءاً من الموضوع ، وتارة : بما هی موضوعة فی السالبة المرکّبة التی هی جزء آخر من الموضوع ، وهذا واضح البطلان . مضافاً إلی أنّه یرد علی اعتبار الموضوع کذلک ما یرد علی الوجه الخامس کما سیأتی بیانه .
ثمّ إنّ الصحیح واقعاً من الفروض الستّة المذکورة هی الصور الثلاثة الاُول دون الأخیرة . بداهة أنّ الموضوع للحکم الشرعی بالتحیّض إلی خمسین مثلاً لیس هو عدم وجود قرشیة المرأة بنحو السلب البسیط والعدم المحمولی ، کما هو مقتضی الوجه السادس ، ولا أن لا یکون المرأة قرشیة بنحو السالبة المحصّلة المرکّبة الأعمّ من سلب الموضوع کما هو مفاد الوجه الرابع ، ولا أن یکون هناک
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 34 مرأة وأن تکون القرشیة معدومة کما هو مفاد الوجه الخامس .
أمّا الاُولی والثانیة فواضحة لتحقّقهما قبل تحقّق المرأة أیضاً مع عدم ثبوت الحکم حینئذٍ ، وأمّا الثالثة فلأنّ الموضوع إذا کان مرکّباً من جزءین یجب أن یلاحظ جزءاه بنحو یمکن أن یجتمع کلّ منهما مع الآخر فی التحقّق ، وحینئذٍ فلو فرض ترکّب الموضوع من وجود المرأة وعدم القرشیة یجب أن یلاحظ فی هذا العدم تقارنه مع وجود المرأة ، ولا یمکن أن یجعل عدم القرشیة الأعمّ من کونه مقارناً لوجود المرأة وعدمها جزءاً من الموضوع إذا فرض أنّ الجزء الآخر من الموضوع هو وجود المرأة فإنّ عدم القرشیة الصادق مع عدم المرأة لا یمکن أن یجتمع مع وجود المرأة فی التحقّق . وقد عرفت : أنّ جزئی المرکّب یجب أن یکونا بحیث یمکن أن یجتمع کلّ منهما مع الآخر . وبعبارة اُخری : اعتبار الشیء واعتبار الجامع بینه وبین نقیضه بوصف الإطلاق فی موضوع واحد ممّا یؤول إلی اعتبار النقیضین .
فبهذا البیان : یعلم أنّ العدم إذا اُخذ جزءاً من الموضوع یجب اعتبار المقارنة بینه وبین الجزء الآخر من غیر فرق بین أن یکون العدم محمولیاً ـ کما فی الفرض الخامس ـ أو نعتیاً ـ کما فی الفرض الذی ذکر فی قولنا : إن قلت ـ ، وبعد اعتبار قید المقارنة یصیر الموضوع کالصور الثلاثة الاُول فی عدم الحالة السابقة
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 35 للعدم المأخوذ فیها حتّی یستصحب ، کما سیأتی بیانه بُعید هذا .
وقد تلخّص ممّا ذکرنا : أنّ العدم إذا اُخذ فی موضوع حکم شرعی فلابدّ وأن یکون أخذه بأحد الأنحاء الثلاثـة الاُول . وحینئذٍ فلا یکون لهذا العدم حالة سابقة قبل تحقّق الموضوع حتّی یستصحب ، وإثباته باستصحاب العدم المحمولی أو التحصیلی المرکّب الأعمّ من سلب الموضوع عمل بالأصل المثبت الذی لا نلتزم به .
والحاصل : أنّ الذی له حالة سابقة هو العدم المحمولی والسلب الترکیبی الأعمّ من سلب الموضوع . وقد عرفت : أنّ الأثر لا یترتّب علیهما ولیس لهما دخل فی الموضوع لا تماماً ولا جزءاً . والذی یترتّب علیه الأثر إمّا موجبة معدولة أو موجبة سالبة المحمول أو سالبة وجد موضوعها ولا حالة سابقة لهذه الثلاثة وإثباتها بأحد الأوّلین عمل بالأصل المثبت .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 36