الجهة الاُولیٰ : فی کیفیّة الاستعمال
ظاهر المشهور أنّها مجاز؛ لظهور أنّ الهیئة موضوعة للإخبار، واستعمالها فی غیره من المجاز فی الکلمة.
وصرّح بعض المتأخّرین وتبعه جماعة: بأنّها حقیقة؛ لعدم وضعها لذلک،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 102 بل الإخباریّة والإنشائیّة من الدواعی الخارجة عن الموضوع له، فتارة: تستعمل للإعلام والإخبار، واُخریٰ: تستعمل للإنشاء والإیجاد، ولیس فی کلماتهم ماهو الموضوع له والجامع الذی لابدّ منه، وإلاّ یلزم الاشتراک اللفظیّ الذی یفرّ منه هؤلاء، کیف؟! وهم یفرّون من تعدّد المعنی الحقیقیّ والمجازیّ، فضلاً عن تعدّد الوضع والموضوع له.
واختار الوالد المحقّق أمراً ثالثاً: وهو المجازیّة؛ بالمعنی الذی اختاره فی محلّه، فلایکون الاستعمال إلاّ فی الموضوع له، ولکن لنقل المخاطَب إلی ماهو المقصود، فیکون من باب الادعاء، فالجمل الإخباریّة مستعملة فیما هو الموضوع له؛ وهو الإخبار عمّا یأتی، بدعویٰ تحقّقه من المخاطب؛ وأنّه یقوم به من غیر احتیاج إلی الأمر، بل سلامة فطرته کافیة فی بعثه إلیه، کما فی أمر الوالد ولده بهذه الطریقة المشتملة علی التلطیف والاستیناس.
ولایخفیٰ : أنّ ماهو المبحوث عنه فی کلماتهم هنا هو الجمل الفعلیّة الاستقبالیة، ومن الممکن دعواهم التفصیل بین هذه الجمل المشار إلیها.
ولکنّ الذی یظهر لی: أنّ الالتزام بالمجاز غیر صحیح؛ لظهور هذه الجملات فی الإنشاء، مثل ظهورها فی الإخبار، وکما إنّ الثانی یحتاج إلی القرینة، کذلک الأوّل، فتکون القرینة معیّنة، لا صارفة. فبالوضع التخصّصی بلغت هذه الهیئات ـ لکثرة الاستعمال ـ إلی الحقیقة الثانویّة؛ بحیث لایفهم من هذه الاستعمالات مجاز أصلاً وإن قلنا بالمجاز المشهور.
وأمّا الالتزام بالجامع المعنویّ بین الإخبار والإنشاء، فهو غیر ممکن؛ ضرورة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 103 أنّ قیاس ما نحن فیه بصیغة الأمر مع الفارق، فإنّه فی صیغة الأمر کان الموضوع له معیّناً فی کلماتهم؛ بأنّه طلب إنشائیّ، أو بعث، أو تحریک اعتباریّ، أو إیقاع للنسبة، وهذا فیما نحن فیه غیر معلوم؛ لأنّه لایعقل الجمع بین المعنی الإخباریّ والإنشائیّ؛ فإنّ الإخبار هو الإعلام عن النسبة الواقعیّة غیر المستندة فی وجودها إلی الاستعمال، والإنشاء هو المعنی الذی یوجد بالاستعمال، فیکون الاستعمال هنا إیجادیّاً، وهناک إخطاریّاً.
نعم، بناءً علی القول برجوع الإنشاء إلیٰ إبراز مافی الضمیر؛ والإخبار عن المعتبر النفسانیّ، فهو له وجه، ولکنّه فاسد کما مرّ، ولا أظنّ التزام القائلین: بأنّ الإنشاء هو الإبراز، أنّه عین الإخبار، ولکنّ الأوعیة مختلفة، فوعاء جملة «زید قائم» هو الخارج صدقاً وکذباً، ووعاء جملة «هذا مسجد» أو «أنت طالق» و«ضامن» الذهن، وقد تکون متّحدة کما فی القضایا المعقولة، فتدبّر جیّداً.
وأمّا الالتزام بالمجاز فی الإرادة الجدّیة دون الاستعمالیّة؛ علی التقریب الذی عرفته من السیّد الوالد ـ مدّظلّه ، فهو وإن صحّ ثبوتاً، ولکنّه غیر مرضیّ إثباتاً؛ لأنّ کلمة «بعت» وأمثالها، وکلمات «یعید» و «یتوضّأ» وأمثالها، ربّما تکون فی الکثرة الاستعمالیّة إلیٰ حدّ لایجد العرف فیها المجازیّة، بل المتبادر منها هی المعانی الإنشائیّة، فتکون من الاشتراک اللفظیّ.
نعم، الهیئة موضوعة أوّلاً للإخبار، ثمّ استعیرت للإنشاء واستعملت فیه، حتّیٰ عدّ من معانیها، وهذا ممّا لا ضیر فیه.
نعم، الجمل الاسمیّة مختلفة؛ فما کانت من قبیل «هی طالق» فالاشتراک
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 104 اللفظیّ قریب جدّاً، وما کانت من قبیل «هذا مسجد» فربّما یحتاج إلی القرینة الصارفة، لا المعیّنة؛ لأنّ المتبادر منها بلا قرینة هو المعنی الإخباریّ.
فالمدار فی الفرق بین الاشتراک اللفظیّ والحقیقة والمجاز؛ أنّه إن کان اللفظ محتاجاً فی فهم المعنیٰ منه إلی القرینة مطلقاً، فهو یعدّ من المشترک اللفظیّ فی معانیه، وإن کان محتاجاً فی فهم أحد المعانی إلیها، فهو مجاز فیه، وحقیقة فی غیره.
وتوهّم : أنّ الالتزام بالاشتراک اللفظیّ بعید فی نفسه، فی غیر محلّه؛ لأنّه فیما إذا أردنا إثبات ذلک بالوضع التخصیصیّ، وأمّا إذا أردنا إثبات أحد المعنیین بالوضع التخصّصی، فهو ـ مضافاً إلیٰ عدم بعده ـ قریب وواقع، وجمیع الاشتراکات اللفظیّة من هذا القبیل، فلاتغفل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 105