فائدة : حول أنّ موضوع المسألة هو الأوامر المولویة
قد اُشیر إلیٰ أمر إجمالاً : وهو أنّ موضوع هذه المسألة؛ هو أنّ صیغة الأمر هل تدلّ علی الوجوب، أم لا بل هو مطلق الصیغة ولو کانت إرشادیّة، أو موضوعها الأوامر المولویّة؟ لا سبیل إلی الأوّل، فیأتی إشکال: وهو أنّ الأوامر الصادرة عن الفقیه فی مقام الإفتاء، بل والصادرة عن النبیّ والأئمّة صلوات الله علیهم فی مقام الإفتاء، لیست مولویّة، بل هی مرشدة إلیٰ حکم الله تعالیٰ وقانونه، فلا وجه لاستفادة الوجوب منها؛ تمسّکاً ببناء العقلاء والعرف، واستدلالاً بطریقة الموالی والعبید، فما کان فی الکتاب مثلاً فهو یعدّ من الأوامر المولویّة، وهکذا ما کان نظیرها، وما ورد فی المآثیر من الأوامر ونحوها فلا شهادة عند العقلاء بعد کونها مرشدة، فهی تابعة للمرشد إلیه؛ من کونه وجوباً أو ندباً، واستفادة ذلک ـ أی أنّ المرشد إلیه واجب أو ندب ـ لایمکن إلاّ بالقرینة الخاصّة.
والعجب من اُستاذنا البروجردی رحمه الله حیث توجّه إلیٰ هذه النکتة، ولکنّه ـ مضافاً إلیٰ قصور فی تقریبه إشکالاً ـ غیر واصل إلی أصل الشبهة؛ وهو عدم لزوم الامتثال فیما إذا ورد الأمر فی الأخبار والروایات بشیء؛ فی العبادات کان، أو غیرها، مع أنّ الضرورة قاضیة بخلاف ذلک، وأنّ العقلاء مع کون موضوع المسألة هی الأوامر المولویّة، یتحرّکون بتلک التحریکات؛ من الفقهاء کانت، أو من الأئمّة علیهم السلام، ویکشف بها القانون الإلزامیّ، إلاّ إذا قامت القرینة علی الخلاف.
فإذا سئل مثلاً عن صلاة الکسوف، فقال: «صلّ» أو عن زکاة الأبدان، فقال: «زکّ» وهکذا، بناؤهم علی لزوم القیام والانبعاث واستکشاف القانون والحکم الإلزامیّ بلا شبهة وریب.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 100 والذی هو الحجر الأساسیّ؛ عدم ورود النص فی أنّ موضوع مسألتنا هذه، مخصوص بتلک الأوامر، أو أنّ الأوامر الصادرة فی مقام الإفتاء تکون مولویّة؛ لأنّ میزان المولویّة، لیس کون الآمر معاقِباً علیٰ ترک المأمور به، کما فی أوامر الأب والزوج بالنسبة إلی الابن والزوجة، ولا یکون میزانها کون المأمور به فیه صلاح الأمر، وإلاّ یلزم عدم کون أوامر الله تعالیٰ مولویّة.
اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ المناط صحّة العقوبة علیه، وهذا لایکون فی أمر الفقیه والمفتی بالضرورة.
نعم، هو مصحّح العقوبة؛ لأجل العلم بالإرادة اللزومیّة من قبل المولیٰ الحقیقیّ، فهذه الأوامر کواشف عن الإرادات المستورة.
هذا، وفی کون الأوامر الإلهیّة التشریعیّة مولویّةً اصطلاحیّة، إشکال قویّ، نشیر إلیه فی ذیل تقسیم الواجب إلی النفسیّ والغیریّ، وعلیٰ هذا یسقط الواجب الشرعیّ، فیکون جمیع الواجبات الشرعیّة ألطافاً فی الواجبات العقلیّة.
فتحصّل : أنّ بناء العقلاء علی الامتثال فی هذه الأوامر أیضاً، وما اشتهر: «من أنّ موضوع هذه المسألة هی الأوامر المولویّة، أو قیل: «إنّ موضوع البحث هی الأوامر الصادرة عن العالی المستعلی» غیر وجیه.
نعم لا بناء من العقلاء علیٰ وجوب الامتثال، ولا تکون الصیغة کاشفة عندهم عن الإرادة الحتمیّة، إلاّ فی بعض الصیغ، ومجرّد کونه صیغة الأمر، لایکفی لوجوب الامتثال.
وأمّا توهّم الملازمة بین کونها أمراً، وبین کونها واجبة الامتثال والانبعاث، أو
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 101 واجبة الإطاعة والتبعیّة، فهو ناشئ من اعتبار مفهوم العلوّ أو الاستعلاء فی مفهوم الأمر، وقد مرّ فساده تفصیلاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 102