التنبیه الأوّل: فی إتیان الأفراد العرضیّة دفعة مع وحدة الأمر
إذا تعلّق الأمر بالطبیعة القابلة للکثرة الطولیّة والعَرْضیّة، فجمع المکلّف بین الأفراد العَرْضیّة، کما إذا قال: «أکرم العالم» وکان نفس إکرامه مسقطاً لأمره، وما کان یجب علیه إکرام کلّ عالم بوجه الانحلال المتصوّر فی أمثال المقامات، فهل إکرام المجموع منهم دفعة واحدة، امتثال واحد؟
أو امتثالات کثیرة؟
أو هو تابع لقصد المکلّف، فإنّ قصد الامتثال بالمجموع فهو امتثال واحد، وإن قصد الامتثال بکلّ واحد فهو امتثالات؟
أو لا امتثال رأساً؟
أمّا الاحتمال الأخیر فهو فی مفروض المسألة غیر سدید. نعم إذا کان المستفاد من الدلیل، وجوبَ إکرام فرد من العالم، کان للاحتمال الأخیر وجه؛ بدعویٰ ظهوره فی الفرد بشرط لا.
وأمّا دعویٰ : أنّ وجوب إکرام العالم؛ فیما إذا کان یسقط الأمر بأوّل المصداق، یرجع إلی اعتبار صِرْف الوجود واعتبار ناقض العدم عرفاً، وإن لم یمکن ذلک عقلاً
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 207 فی الطبائع، فإذا أقدم علیٰ إکرام مجموع العلماء، فوحدة الإکرام تقتضی وحدة الموضوع؛ وهو مجموع العلماء فی لحاظ الجمع، وهو لیس بعالم، فلایسقط الأمر، فهی غیر مسموعة عرفاً؛ لشهادة العقل بسقوط الأمر لإکرامه العالم قطعاً .
وأمّا الاحتمال الأوّل، فهو مختار الوالد المحقّق ـ مدّظلّه ، معلِّلاً: «بأنّ کثرة الطبیعة ووحدتها بحسب الأفراد، لاتستلزم کثرة الأمر، والامتثال الکثیر تابع لکثرة الأمر؛ لتقوّمه به، دون الطبیعة، فالمجموع امتثال واحد، کما أنّ لهذا الأمر الساقط ثواباً واحداً، وفی ترکه عقاباً واحداً».
وأمّا الاحتمال الثانی، فهو مختار السیّد الاُستاذ البروجردی قدس سره حیث قال: «بأنّ للطبیعة لیست وجوداً واحداً؛ فیما إذا وجدت بالوجودات العرضیّة، فلا معنی لکونه امتثالاً واحداً، نظیر الواجب الکفائیّ، فإنّه لو أتیٰ به جماعة دفعةً واحدة، فقد امتثلوا الأوامر المتعدّدة؛ لأنّ القول بأنّ لکثرة الطبیعة وجوداً واحداً، فی غایة الضعف».
وأمّا الاحتمال الثالث، فهو منسوب فی کلامه إلی العلاّمة الخراسانی رحمه الله ولعلّه کان فی تقریراته؛ لأنّه لیس فی «کفایته» ولایذکر تلمیذه وجهاً له، بل استضعفه، ولعلّه استند فی ذلک إلیٰ أنّ بناء العرف علیٰ ذلک.
وسیظهر لک فی التنبیه الثانی أنّ الامتثال من الاُمور الاختیاریّة بحسب الارتکازات العقلائیّة، وأنّ الامتثال عقیب الامتثال جائز فی الاعتبار، وأنّ التخییر بین الأقلّ والأکثر ممکن، وهکذا ممّا یترتّب علیٰ هذه المقالة، فانتظر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 208 والذی هو التحقیق فی المقام : أنّ الانحلال علیٰ قسمین:
أحدهما : مایرجع إلیٰ تعدّد الأمر واقعاً، ویکون لکلّ واحد من الأوامر امتثال، وعقاب، وثواب، کما فی مثل : «أکرم کلّ عالم» .
وثانیهما : ما یرجع إلیٰ تعدّد الأمر فی ناحیة الثواب، دون العقاب، فإن امتثل المجموع یتحقّق الثوابان، وإن ترک لایستحقّ إلاّ عقاباً واحداً.
وهو فیما نحن فیه علیٰ عکس الواجب الکفائیّ؛ وذلک لأنّ قوله: «أکرم العالم» لابدّ له من مسقط، ولایعقل کون أحد الإکرامات ـ معیّناً ـ مسقطاً، ولا أحدها غیر المعیّن، ولا المجموع؛ لأنّه لیس وراء الآحاد خارجاً.
فعلیه یقال : لامنع من دعوی أنّ قضیّة قوله: «أکرم العالم» هو استحقاق المثوبات؛ لأنّ کلّ واحد من الإکرامات المتعلّقة بالعالم، مورد طلبه بلا شبهة؛ لعدم میّز بینها، ویصحّ أن یحتجّ علی المولی بأنّ کلّ واحد من هذه الإکرامات واجب، وموصوف بالوجوب، فإذا فرض جعل المثوبة علیٰ إکرام العالم، فیجب تکرارها؛ لتعدّد الامتثال، فما أتیٰ به القوم طرّاً، غیر مقبول.
نعم، ما أفاده الاُستاذ رحمه الله: من أنّه الامتثالات فی محلّه، ولکنّه لم یبیّن وجهه، ولذلک یرد علیه ما أورده الوالد ـ مدّظلّه علیه.
ثمّ إنّه غیر خفیّ: أنّ مختار المحقّق الخراسانی قدس سره لایستلزم رفع الشبهة العقلیّة فی المسألة؛ فإنّ البحث ـ علی احتماله ـ یأتی فیما إذا قصد الامتثال بالکلّ؛ وأنّه فی هذا الفرض هل یتعدّد الامتثال، أو لا یمکن؟ فلاتخلط.
فبالجملة : لابدّ من الالتزام بأحد أمرین :
إمّا یکون المجموع امتثالاً واحداً وهذا لایمکن إلاّ بکون المجموع مورد
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 209 الأمر وهو خلف.
وإمّا بکون الأمر ینحلّ ـ فیما إذا اُتی بالأفراد العرضیّة ـ إلی الأوامر. ولکنّها لاتستتبع العقابات؛ لعدم نشوئها عن الملاکات المختلفة والمتعدّدة.
فما تریٰ فی کلام الوالد ـ مدّظلّه : من دعوی الملازمة بین الأوامر المتعدّدة، والعقابات والثوابات، فهی غیر مسموعة، بل التعدّد المستلزم لتعدّد الملاک، یستلزم تعدّد العقاب والثواب.
وممّا یدلّ علیٰ أنّ الأوامر المتعدّدة، لاتستلزم العقاب المتعدّد إلاّ فی الصورة السابقة: ما إذا أمر المولیٰ بإکرام زید، ثمّ غفل عن أمره وأمر ثانیاً بذلک، فإنّ الأمر الثانی مع الغفلة عن الأمر الأوّل، لایکون تأکیداً، بل هو یقع تأسیساً؛ لأنّه یرید بالإرادة الجدیدة وجوب إکرامه، فإذا امتثل الأمرین بإکرامه، لایستحقّ إلاّ ثواباً واحداً، ولا یعاقب إلاّ مرّة واحدة عند التخلّف عنهما، فإذا أمکن الجمع بین الإکرامین، فقد امتثل الأمرین، ویستحقّ الثوابین والجعلین؛ لأنّ کلامه یقتضی ذلک، وقضیّة الأدلّة هو التعدّد.
فلو کان لایرید إلاّ ثواباً واحداً، یجب علیه جعل القانون علیٰ وجه لایستحقّ المکلّف ـ حسب المتفاهم العرفیّ ـ ثواب آخر زائداً علیه، فإتیانه الطبیعة متعلّق الأمر یورث الاستحقاق الأکثر، ولا یستحقّ عند التخلّف إلاّ العقاب الواحد.
إذا تبیّن ذلک تبیّن : أنّ فی المسألة امتثالات کثیرة، وعقاباً واحداً؛ ضرورة أنّ العقاب بحکم العقل والعقلاء، وهو فی المثال المزبور واحد قطعاً؛ لعدم جعل العقاب علی ترک الامتثال فرضاً، وأمّا تعدّد الثواب فهو تابع لما یستظهر من إطلاق جعله، فلا تخلط.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 210