الحکم الثانی: هل هی من الفاتحة؟
اتّفق الـمسلمون علیٰ أنّها من سورة الـنمل، وعلیٰ أنّها من سورة الـفاتحـة علماء الـسلف من أهل مکّـة فقهاؤهم وقرّاؤهم ومنهم ابن کثیر، وأهل الـکوفـة ومنهم عاصم والـکسائی من الـقرّاء، وبعض الـصحابـة والـتابعین من أهل الـمدینـة، والـشافعی فی الـجدید وأتباعـه والـثوری وأحمد فی أحد قولیـه، ومن الـمرویّ عنهم ذلک: من الـصحابـة ابن عبّاس وابن عمر و أبو هریرة، ومن الـتابعین سعید بن جبیر وعطاء والـزهری وابن الـمبارک.
وقیل: إنّ قُرّاء الـمدینـة والـبصرة والـشام وفقهاءها علیٰ أنّ الـتسمیـة لیست منها، وإنّما کُتبت للفصل والـتبرّک بالابتداء بها، وهو مذهب أبی حنیفـة ومن تابعـه، ومالـک وغیره من علماء الـمدینـة، والأوزاعی وغیره من علماء الـشام، وأبو عمرو ویعقوب من قُرّاء الـبصرة، وعن حمزة من قُرّاء الـکوفـة.
وروی عن أحمد أنّها آیـة من الـفاتحـة دون غیرها.
وهذا هو رأی الإمامیّة وأهل الـبیت علیهم الـصّلاة والـسّلام، وهو قضیّـة روایاتهم الـمتکاثرة عنهم علیهم السلام، وهو مقتضیٰ الأخبار من طرق أهل الـجماعـة عن رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله وسلم، وفیها الـصحاح والـحسان ـ علیٰ ما
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. ۱)صفحه 44 اصطلحوا علیـه ـ وهی کثیرة محکیّـة عن جماعـة، کاُمّ سَلَمـة وجابر وعمّار وطلحـة وبریدة و ابن عمر وأبی هریرة وأنس والـنعمان بن بشیر و ابن عباس ومحمّد بن کعب الـقرضی.
ومن غرائب الاستدلال ما اشتهر فی کتب الـخاصّـة والـعامّـة بأنّ الـمسلمین اتّفقوا علیٰ رسمها من أوّل الأمر إلـیٰ الآن عدا سورة الـبراءة، مع الأمر بتجرید الـقرآن من کلّ ما لیس منـه، ومن ثَمَّ لم یکتبوا «آمین» آخر الـفاتحـة. فإنّـه دلیل علیٰ أنّها من الـکتاب، ولا یستدلّ بـه علی الـجزئیّـة لأیّـة سورة کانت.
هذا، مع أنّ جماعـة من الـقُرّاء ترکوا الـفصل بین الـسور بالـتسمیـة، وفیهم حمزة وخلف ویعقوب والـیزیدی.
وغیر خفیّ أنّ المسألة خلافیّة، واستدلّ لکلٍّ من الـقولین بأدلّـة استحسانیـة وروائیـة، ولو أغمضنا الـنظر عمّا یدلّ علیٰ جزئیّتها من الـصحیح فی مذهبنا، کان وجـه الـشبهـة قویّاً جدّاً؛ لقصور الأدلّـة عن إثباتها من الـفاتحـة، وللخلط بین هذه الـمسألـة والـمسألـة الـسابقـة تُوهّم تمامیّـة الاستدلالات، ولولا خوف الإطالـة الـمنهیّ عنها والـمملّـة لسردت جملـة منها، وهی مزبورة فی أساطیر الأوّلین.
وبالجملة: إن أحطت خُبراً بهذه الـنکتـة تقدر علیٰ تمیـیز الـصحیح من
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. ۱)صفحه 45 الـدلیل عن الـسقیم، وما هـو الـمهمّ من بینها الأخبار الـمستدلّ بها علیٰ جزئیّتها.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. ۱)صفحه 46