تقریب السیّد الفشارکی للجمع بین الحکم الواقعی والظاهری
إنّ شیخنا العلاّمة قد نقل وجوهاً للجمع ، ونقل وجهاً عن السیّد الجلیل الاُستاذ السیّد محمّد الفشارکی ، ومحصّله : عدم المنافاة بین الحکمین إذا کان الملحوظ فی موضوع الآخر الشکّ فی الأوّل .
وتوضیحه : أنّ الأحکام تتعلّق بالمفاهیم الذهنیة ؛ من حیث إنّها حاکیة عن الخارج ، فالشیء ما لم یتصوّر فی الذهن لا یتّصف بالمحبوبیة والمبغوضیة . ثمّ المفهوم المتصوّر : تارة یکون مطلوباً علی نحو الإطلاق واُخری علی نحو التقیید ، وعلی الثانی فقد یکون لعدم المقتضی فی غیر ذلک المقیّد ، وقد یکون لوجود المانع .
وهذا الأخیر مثل أن یکون الغرض فی عتق الرقبة مطلقاً ، إلاّ أنّ عتق الرقبة الکافرة منافٍ لغرضه الآخر الأهمّ ، فلا محالة بعد الکسر والانکسار یقیّد الرقبة
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 397 بالمؤمنة ، لا لعدم المقتضی بل لمزاحمة المانع ، وذلک موقوف علی تصوّر العنوان المطلوب مع العنوان الآخر المتّحد معه ، المخرج له عن المطلوبیة الفعلیة .
فلو فرضنا عدم اجتماع العنوانین فی الذهن ؛ بحیث یکون تعقّل أحدهما لا مع الآخر دائماً لا یتحقّق الکسر والانکسار بین الجهتین .
فاللازم منه : أنّه متی تصوّر العنوان الذی فیه جهة المطلوبیة یکون مطلوباً مطلقاً ؛ لعدم تعقّل منافیه ، ومتی تصوّر العنوان الذی فیه جهة المبغوضیة یکون مبغوضاً کذلک ؛ لعدم تعقّل منافیه . والعنوان المتعلّق للأحکام الواقعیة مع العنوان المتعلّق للأحکام الظاهریة ممّا لا یجتمعان فی الوجود الذهنی أبداً ؛ لأنّ الحالات اللاحقة للموضوع بعد تحقّق الحکم وفی الرتبة المتأخّرة عنه ، لا یمکن إدراجها فی موضوعه .
فلو فرضنا بعد ملاحظة اتّصاف الموضوع بکونه مشکوک الحکم تحقّق جهة المبغوضیة فیه، ویصیر مبغوضاً بهذه الملاحظة ، لایزاحمها جهة المطلوبیة الملحوظة فی ذاته ؛ لأنّ الموضوع بتلک الملاحظة لا یکون متعقّلاً فعلاً ؛ لأنّ تلک الملاحظة ملاحظة ذات الموضوع مع قطع النظر عن الحکم ، وهذه ملاحظته مع الحکم .
إن قلت : العنوان المتأخّر وإن لم یکن متعقّلاً فی مرتبة تعقّل الذات ، ولکن الذات ملحوظة فی مرتبة تعلّق العنوان المتأخّر ، فیجتمع العنوانان ، وعاد الإشکال .
قلت : کلاّ ، فإنّ تصوّر موضوع الحکم الواقعی مبنی علی تجرّده عن الحکم ، وتصوّره بعنوان کونه مشکوک الحکم لابدّ وأن یکون بلحاظ الحکم ، ولا یمکن الجمع بین لحاظی التجرّد واللاتجرّد ، انتهی کلامه رفع مقامه .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 398 وفیه أوّلاً : أنّ ذلک مبنی علی امتناع أخذ ما یأتی من قبل الأمر فی دائرة موضوع الحکم ، کالشکّ فی الحکم والعلم به ، وقد قدّمنا صحّة الأخذ فی باب التعبّدی والتوصّلی ، واعترف قدس سره بصحّته . فعدم اجتماع العنوانین فی الذهن من هذه الجهة ممنوع .
وثانیاً : أنّ تأخّر الشکّ عن الحکم وتحقّقه بعد تعلّقه بالموضوع ممنوع ؛ فإنّ الشکّ فی الشیء لا یستلزم تحقّق المشکوک فی الخارج کما هو واضح ، وإلاّ لزم انقلاب الشکّ علماً لو علم بهذه الملازمة ، ومع الغفلة ینقلب إذا توجّه .
مضافاً إلی أنّ تعلّقه مع الغفلة دلیل علی بطلان ما ذکر .
وأمّا لغویة جعل الحکم علی المشکوک من دون سبق حکم من الحاکم علی الطبیعة المحضة فإنّما یلزم لو لم یکن للحاکم حکم أصلاً ، وهو لا یستلزم تأخّر جعل الحکم علی المشکوک عن نفس الحکم علی الذات الواقعی .
وثالثاً : أنّ ما أفاده قدس سره من مزاحمة جهة المبغوضیة مع جهة المحبوبیة مرجعها إلی التصویب الباطل ؛ فإنّ تلک المزاحمة یستلزم تضیّق الحکم فی المزاحم ـ بالفتح ـ بحسب اللبّ .
وما ذکره من إطلاق الحکم بسبب الغفلة عن المزاحم غیر مفید ؛ فإنّ الإهمال فی الثبوت غیر متصوّر ؛ فإنّ الصلاة وإن کانت واجبة فی نفس الأمر إلاّ أنّ الصلاة المشکوک حکمها ـ لأجل ابتلائها بالمزاحم الأقوی ، ومزاحمة الجهة المبغوضیة الموجود فیها فی حال الشکّ مع المحبوبیة الکامنة فی ذاتها ـ یستلزم تقیّد الوجوب
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 399 فی ناحیة الوجوب المتعلّق بالصلاة ، ویختصّ الوجوب بغیر هذه الصورة ، وینحصر بالصلاة المعلومة الوجوب ، فعاد الإشکال .
ورابعاً : أنّ ما أفاده فی دفع الإشکال من أنّ موضوع الحکم الواقعی هو الذات المجرّد عن الحکم غیر واضح ؛ فإنّه إن أراد من التجرّد لحاظ الماهیة مقیّدة بالتجرّد عن الحکم حتّی یصیر الموضوع هو الطبیعة بشرط لا ، فهو خلاف التحقیق ؛ فإنّ متعلّق الأوامر إنّما هو نفس الطبائع ، غیر مقیّدة بشیء من القیود ؛ حتّی التجرید .
علی أنّه ـ أی لحاظ تجرّد الموضوع عن الحکم ـ یستلزم تصوّر الحکم فی مرتبة الموضوع ، مع أنّه حکم بامتناعه ، وجعل الحالات اللاحقة للموضوع کالحکم والشکّ فیه ممّا یمتنع لحاظه فی ذات الموضوع .
وإن أراد من التجرّد عدم اللحاظ ـ أعنی اللا بشرط ـ فهو محفوظ فی کلّ مرتبة ؛ مرتبة الحکم الواقعی والظاهری ، فیصیر مقسماً لمعلوم الحکم ومشکوکه ، فعاد المحذور .
وبقی فی المقام تقریبات ، ضربنا عنها صفحاً ، وفیما ذکرنا غنیً وکفایة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 400