المقام الثالث : فـی العبادات التی تعلّق النهی بها مـع إحـراز حالـه ، ویتصوّر النهی فیها علی وجـوه :
منها : إحراز کونه تحریمیاً نفسیاً ، فلا إشکال فی اقتضائه الفساد ؛ لأنّه یکشف عـن المبغوضیة وعدم رجحانه ذاتاً ، ومعها کیف یمکن صلوحه للتقرّب والتعبّد ، مع وحـدة حیثیـة المبغوض مـع المتقرّب بـه ذهناً وخارجـاً ؟ وهـذا غیر مـا صحّحناه فی المبحـث المتقـدّم ؛ لاختلاف الحیثیتین عنوانـاً ومتعلّقاً هنـاک دون المقام .
ومن الغریب ما أفاده شیخنا العلاّمة ـ أعلی الله مقامه ـ حیث أتعب نفسه الشریفة فیما أفاده ، وقصاری ما قال : أنّ النهی متعلّق بأمر خارج ، وجعل المسألة
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 78 من بحث اجتماع الأمر والنهی ، مع أنّ البحث هاهنا فیما إذا تعلّق النهی بنفس العبادة لا بأمر خارج .
ومنها : إحراز کونه تنزیهیاً نفسیاً ، فالظاهر دلالته علی الفساد لو اُبقی علی ظاهره ؛ إذ یستفاد منه مرجوحیة متعلّقه وحزازته .
وقد یقال : إنّ الکراهة بما أنّها لا تمنع عن إیجاد متعلّقها ، فإذا تعلّقت ببعض أفراد العبادة الواجبة تصیر إرشاداً إلی کون هذا الفرد أقلّ ثواباً من غیره .
وفیه : أنّ البحث فیما إذا کان النهی ظاهراً فی المرجوحیة ، وأمّا لو کان الظاهر منه هو الإرشاد إلی أقلّیة الثواب فخارج من البحث .
فإن قلت : إنّ النهی التنزیهی ملازم للترخیص ، وکیف یمکن ترخیص التعبّد بأمر مرجوح ؟ وهل هذا إلاّ الترخیص بالتشریع ؟ فلابدّ بعد إحراز المرجوحیة من التخلّص عن هذا الإشکال .
قلت : إنّ الترخیص حیثی ، مفاده عدم کون عنوان العبادة محرّماً ذاتاً ، ولا ینافی ذلک الحرمة من قِبَل التشریع علی فرض حرمته .
ومنها : إحراز کونه غیریاً ، کالنهی عن الضدّ ـ بناءً علی اقتضاء الأمر النهی عن ضدّه ـ فلا یقتضی الفساد عقلاً ؛ لعدم دلالته علی مبغوضیة فی متعلّقه ؛ بحیث یمتنع التقرّب به ؛ لأنّ الإلزام بترکه لأجل فعل غیره ، کما أنّ الأمر المقدّمی لا یکشف عن محبوبیته ، وحینئذٍ فعلی القول بکفایة الملاک فی التقرّب یصحّ التقرّب بالمنهی عنه بالنهی الغیری .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 79 فإن قلت : إتیان المنهی عنه یوجب التجرّی علی المولی ، فیکون الفاعل بذلک بعیداً عن ساحته ، فلا یمکن التقرّب به .
قلت : إنّ فاعل الضدّ عاصٍ بترک الضدّ الأهمّ لا بفعل المهمّ ، فلیس فی فعله تجرّ ، وانطباق الأمر العدمی ـ أعنی ترک الأهمّ ـ علی الأمر الوجودی قد عرفت حاله ، هذا أوّلاً .
ولو سلّمنا أنّ العصیان یتحقّق بنفس إتیان المهمّ فنقول : لا دلیل علی أنّ التجرّی موجب للفساد ؛ لأنّ الجرأة والجسارة عنوان لا تسری مبغوضیته إلی نفس الفعل ، وکون العبد بعیداً عن ساحته بجرأته لا یوجب البعد بعمله ثانیاً ، فتدبّر .
ومنها : إحراز کونه إرشاداً إلی الفساد ، فلا بحث فی اقتضائه الفساد .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 80