تقسیم الماهیة إلی أقسام ثلاثة
إنّ من التقسیم الدائر بینهم انقسام الماهیة إلی لا بشرط وبشرط شیء وبشرط لا .
ثمّ إنّه اختلف کلمات الأعاظم فی تعیین المقسم ، وأنّ الفرق بین اللابشرط المقسمی والقسمی ما هو ؟
ویظهر من بعضهم : أنّ المقسم هو نفس الماهیة ، وهذه الاعتبارات واردة علیها ، کما یفصح عنه قول الحکیم السبزواری قدس سره ، ومحصّل هذا الوجه : أنّ انقسام النوع والجنس والفصل إلی الثلاثة بالاعتبار ، وکذا افتراق الثلاثة باللحاظ أیضاً ، وأنّ الماهیة إذا لوحظت مجرّدة عمّا یلحق بها تکون بشرط لا ، وإذا لوحظت مقترنة بشیء تکون بشرط شیء ، وإذا لوحظت بذاتها لا مقترنة ولا غیر مقترنة تکون لا بشرط شیء .
والفرق بین اللا بشرط المقسمی والقسمی هـو کون اللابشرطیـة قیداً فی الثانی دون الأوّل ، کما هـو الفرق بین الجنس والمادّة والنوع ، فإن لوحـظ الحیوان لا بشرط یکون جنساً ، وإن لوحظ بشرط لا تکون مادّة ، وإن لوحظ بشرط شیء یکون نوعاً .
وقـد اغترّ بظاهـر کلماتهم أعاظم فـنّ الاُصـول ، ووقعوا فی حیص وبیص فی أقسام الماهیـة ، والفرق بین المقسمی والقسمی ؛ حتّی ذهب بعضهم إلی أنّ
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 263 التقسیم للحاظ الماهیة لا لنفسها .
هذا ، لکن حسن ظنّی بأهل الفنّ فی هذه المباحث یمنعنی أن أقول : إنّ ظاهـر هـذه الکلمات مرادة لهم ، وأ نّهم اقترحـوا هـذا التقسیم ومـا شابهه فی مباحث الجنس والفصل ، من غیر نظر إلی عالم الخـارج ونظام الکون ، وکأنّ غرضهم هو التلاعب بالمفاهیم والاعتبارات الذهنیة ، من دون أن یکون لهذه الأقسام محکیات فی الخارج .
أضف إلی ذلک : أنّ ملاک صحّة الحمل وعدم صحّتها عندهم هو کون الشیء المحمول لا بشرط وبشرط لا ، ولو کان هذا الملاک أمراً اعتباریاً لزم کون اعتبار شیء لا بشرط مؤثّراً فی الواقع ، ویجعل الشیء أمراً قابلاً للاتّحاد والحمل ، ولزم من اعتباره دفعة اُخری بشرط لا انقلاب الواقع عمّا هو علیه .
والحاصل : أ نّه یلزم من اعتبار شخص واحد شیئاً واحداً علی نحوین اختلاف نفس الواقع ، کما یلزم من اعتبار أشخاص مختلفة صیرورة الواقع مختلفاً بحسب اختلاف اعتبارهم ، فتکون ماهیة واحدة متّحدة مع شیء ولا متّحدة معه بعینه .
هذا ، مع أنّ الغرض من هذه التقسیمات وکذا الحمل هو حکایة الواقع ونفس الأمر لا التلاعب بالمفاهیم واختراع اُمور ذهنیة .
ومن ذلک یظهر : ضعف ما ربّما یقال من أنّ المقسم لیس هو نفس الماهیة ، بل لحاظ الماهیة أو الماهیة الملحوظة . ویقرب عنه ما أفاده بعض الأعیان فی تعلیقته الشریفة ، فراجع .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 264 ولیت شعری أیّ فائدة فی تقسیم لحاظ اللاحظ ، ثمّ أیّ ربط بین تقسیمه وصیرورة الماهیة باعتباره قابلة للحمل وعدمها .
والذی یقتضیه النظر الدقیق ـ ولعلّه مراد القوم ـ هو أنّ کلّ المباحث المعنونـة فی أبواب الماهیة من المعقولات الثانیة إنّما هی بلحاظ نفس الأمر ، وأنّ الماهیة بحسب واقعها ـ الأعمّ من حدّ الذات أو مرتبة وجودها ـ لها حالات ثلاثـة ، لا تتخلّف عن واقعها ولا یرجع قسم منها إلی قسم آخر ؛ وإن لوحظ علی خلاف واقعه ألف مرّات ؛ حتّی أنّ الاختلاف الواقع بین المادّة والجنس والنوع واقعی ، لا اعتباری .
أ مّا انقسام الماهیة بحسب نفس الأمر إلی أقسام ثلاثـة : فلأ نّها إذا قیست إلی أیّ شیء :
فإمّا أن یکون ذلک الشیء لازم الالتحاق بها بحسب وجودها أو ذاتها ، کالتحیّز بالنسبة إلی الجسمیة والزوجیة بالنسبة إلی الأربعة ، وهذه هی الماهیة بشرط شیء .
وإمّا أن یکون ممتنع الالتحاق بحسب وجودها أو ذاتها ، کالتجرّد عـن المکان والزمـان بالنسبة إلی الجسم ، والفردیـة إلی الأربعـة ، وهـذه هی الماهیة بشرط لا .
وإمّا أن یکون ممکن الالتحاق ، کالوجود بالنسبة إلی الماهیة ، والبیاض إلی الجسم الخارجی ، فهذه هی الماهیة اللابشرط .
فالماهیة بحسب نفس الأمر لا تخلو عن أحد هذه الأقسام ، ولا یتخلّف عمّا هو علیه بورود الاعتبار علی خلافه . وبهذا یخرج الأقسام عن التداخل ؛ إذ لکلّ واحد حدّ معیّن لا ینقلب عنه إلی الآخر . ویتّضح الفرق بین اللابشرط المقسمی
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 265 والقسمی ؛ لأنّ المقسم نفس ذات الماهیة ، وهی موجودة فی جمیع الأقسام ، واللابشرط القسمی مقابل للقسمین بحسب نفس الأمر ومضادّ لهما .
والحاصل : أنّ مناط صحّـة التقسیم هی الواقع لا اعتبار المعتبر ؛ فالماهیة إن امتنع تخلّفها عن مقارنها فی واحد من مراتب الواقع فهی بالنسبة إلیه بشرط شیء ، وإن امتنع لها الاتّصاف به فهی بالنسبة إلیه بشرط لا ، وإن کان له قابلیة الاتّصاف واستعداده من غیر لزوم ولا امتناع فهی بالنسبة إلیه لا بشرط ، کالأمثلة المتقدّمة .
وما ذکرنا وإن لم أر التصریح به ، بل مخالف لظواهر کلماتهم ، إلاّ أ نّه تقسیم صحیح دائر فی العلوم ، لا یرد علیه ما أوردناه علی ظواهر أقوالهم .
نعم ، هذا التقسیم إنّما هو للماهیة بحسب نفسها ، ولکن یمکن أن یجری فی الماهیة الموجودة ، بل یمکن إجراؤه فی نفس وجودها ، وقد أجراه بعض أهل الذوق فی بعض العلوم فی حقیقة الوجود ، ولا یقف علی مغزاه إلاّ من له قدم راسخ فی المعارف الإلهیة .
وأ مّا کون الاختلاف بین المادّة والجنس والنوع أمراً واقعیاً : فتفصیله وإن کان موکولاً إلی محلّه وأهله إلاّ أنّ مجمله ما یلی ؛ وهو أنّ تقسیم الماهیة إلی الأجناس والفصول بلحاظ الواقع ونفس الأمر ، وأنّ الاختلاف بین المادّة والجنس والنوع واقعی ، والمادّة متّحدة مع الصورة التی تبدّلت إلیها ، والترکیب بینهما اتّحادی ، وتکون المادّة المتّحدة بالصورة ، والصورة المتّحدة معها نوعاً من الأنواع ، والمادّة التی قابلة لصورة اُخری تکون منضمّة إلی الصورة الموجودة ، والترکیب بینهما انضمامی لا اتّحادی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 266 وتکون تلک المادّة بالنسبة إلی الصورة المتحقّقة بشرط لا ؛ لعدم إمکان اتّحادها بها ، وبالنسبة إلی الصورة التی تستعدّ لتبدّلها إلیها لا بشرط شیء ؛ لإمکان تبدّلها بها .
مثلاً : المادّة التی تبدّلت بصورة النواة وصارت فعلیتها متّحدة معها ترکیبهما اتّحادی ، بل إطلاق الاتّحاد أیضاً باعتبار ظرف التحلیل والتکثّر ، وإلاّ فبعد صیرورة القوّة النواتیة فعلیة لا تکون فی الخارج إلاّ فعلیتها ، والقوّة لیست بحدّها موجودة فیها ، وإن کانت الفعلیة واجدة لها وجدان کلّ کمال للضعیف .
والمادّة المستعدّة فی النواة لقبول صورة الشجر تکون منضمّة إلی الصورة النواتیة وترکیبهما انضمامی لا اتّحادی ، وتکون لا بشرط بالنسبة إلی الصورة الشجریة ؛ لإمکان اتّحادها بهما ، وبشرط لا بالنسبة إلی تلک الصورة الشخصیة النواتیة المتحقّقة ؛ لعدم إمکان اتّحادها معها .
فتحصّل : أنّ فی النواة مادّة متّحدة ومادّة منضمّة ، ومأخذ الجنس والفصل والنوع هو الواقع المختلف بحسب نفس الأمر ، فلا یکون شیء من اعتبارات الماهیة لا فی باب الأجناس والفصول والموادّ والصور ، ولا فی باب الأقسام الثلاثة لها ؛ اعتباراً جزافاً وتلاعباً محضاً .
هذا ، ولکن تفصیل هذه المباحث یطلب من مقارّه وعند أهله . وقد مرّ ما ینفعک فی المقام فی بحث المشتقّ .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 267