الأوّل : فی دلالة الغایة علی ارتفاع الحکم عمّا بعدها
هل الغایة فی القضیة تدلّ علی ارتفاع الحکم عمّا بعد الغایة أو لا ؟
المشهور هو دلالة الغایة المذکورة فی القضیة علی ارتفاع الحکم عمّا بعدها ؛ خلافاً لجماعة منهم السیّد والشیخ .
وفصّل جمع من المحقّقین بین الغایة المجعولة للموضوع بحسب اللبّ وبین المجعولة للحکم ؛ قائلین بالدلالة فی الثانی دون الأوّل .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 143 أمّا عدم الدلالة فیه : فلأنّ الغایة حالها ـ حینئذٍ ـ حال الوصف فی أ نّها قید للموضوع ، وارتفاع الحکم عن الموضوع المقیّد لیس من باب المفهوم ، بل لارتفاع الموضوع الذی لابدّ من بقائه فی الإفادة .
وأمّا الدلالة فی الثانی : فأسدّ ما قیل فی تقریبه ما أفاده شیخنا العلاّمة ـ أعلی الله مقامه ـ حیث قال ما حاصله : إذا جعلت الغایة غایة للحکم فالظاهر الدلالة ؛ لأنّ مفاد الهیئة إنشاء حقیقة الطلب لا الطلب الجزئی ، فتکون الغایة غایة لحقیقة الطلب ، ولازمه ارتفاع حقیقته عند وجود الغایة . نعم لو قلنا : إنّ مفاد الهیئة الطلب الجزئی فالغایة لا تدلّ علی ارتفاع سنخ الوجوب .
هذا ، ولکنّه عدل عنه فی الدورة الأخیرة ، ومحصّل ما أفاده فی وجه العدول ـ علی ما ببالی ـ هو أ نّه لا دلالة لها علی الانحصار مطلقاً ؛ لأنّ الطلب مسبّب عن سبب بحسب الواقع ؛ وإن لم یذکر فی القضیة ، ولیس فیها دلالة علی حصره حتّی تدلّ علی المفهوم . وما ذکرنا فی المتن غیر وجیه ؛ لأنّ الطلب المعلول لعلّة لا إطلاق له بالنسبة إلی غیر موردها ؛ وإن کان غیر متقیّد بها أیضاً .
ولکن قرّر وجه رجوعه فی النسخة المطبوعة أخیراً بما حاصله دعوی مساعدة الوجدان فی مثل «اجلس من الصبح إلی الزوال» لعدم المفهوم ؛ لأ نّه لو قال المتکلّم بعده «وإن جاء زید فاجلس من الزوال إلی الغروب» لا یکون مخالفاً لظاهر کلامه ، وهذا یکشف عن أنّ المغیّی لیس سنخ الحکم ـ من أیّ علّة تحقّق ـ بل السنخ المعلول لعلّة خاصّة ؛ سواء کانت مذکورة أم لا .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 144 قلت : الحقّ أ نّه لو سلّمنا أنّ الهیئة موضوعة لإنشاء حقیقة الطلب لا الطلب الجزئی لا یرد علیه شیء من هذین الوجهین :
أمّا علی ما ببالنا مطابقاً لما حرّرناه : فلأنّ المفهوم لا یتوقّف علی انحصار العلّة دائماً ، بل ربّما یثبت لو کان موافقاً لاستظهار العرف وفهمه ؛ وإن لم یلتفت إلی انحصارها ؛ وذلک لأ نّا إذا فرضنا أنّ الغایة للحکم عند العرف غایة لسنخ الطلب المنشأ فلازمه انتفاء الحکم لدی الوصول إلی الغایة ، وإلاّ لما کان غایة لسنخة ، بل لحصّة خاصّة ، وهو خلف .
وبعبارة ثانیة : أنّ المفهوم ربّما یستفاد من تحدید حقیقة الحکم بلا تقییدها بقید خاصّ إلی غایة ، فکأ نّه قال : حقیقة وجوب الجلوس تکون إلی الزوال . فحینئذٍ یکون الوجوب بعد الزوال مناقضاً له ، والعرف ینتقل إلی المفهوم بعد ثبوت أمرین : ثبوت کون الغایة للحکم وثبوت کون الهیئة ظاهرة فی حقیقة الطلب ، من غیر توجّه إلی علّة الحکم ؛ فضلاً عن انحصارها . ولو فرض توجّهه إلیها یکشف من هذا الظهور المتّبع انحصارها .
وأمّا علی ما قرّر فی ذیل النسخة المطبوعة أخیراً : فلأنّ الخلل إنّما هو فی مثاله ؛ فإنّ ظاهر قوله «اجلس من الصبح إلی الزوال» هو رجوع الغایة إلی المادّة ، ولعلّ عدم فهم المخالفة بعد التصریح بأ نّه «إن جاء زید فاجلس من الزوال إلی الغروب» لذلک ، وإلاّ فلو سلّمنا کون القید غایة للحکم وکون المنشأ حقیقة الطلب فیفهم المخالفة قطعاً .
نعم ، الإشکال کلّه فی أصل المبنی ـ وهو کون المنشأ حقیقة الطلب ـ لما قـدّمناه سابقاً مـن إبطال کـون معانی الحـروف مفاهیم عامّـة ؛ لامتناع تصوّر
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 145 جامـع بینها کما سلف ، وبسقوطـه یسقط مـا بنی علیه .
هذا ، ولکن ذکرنا فی خاتمة بحث الجملة الشرطیة : أنّ معانی الحروف ـ لا سیّما الإیجادی منها ـ وإن کانت خاصّة توجد بنفس الاستعمال ـ کحروف النداء والقسم ـ إلاّ أنّ العرف بعد سماع الإنشاء اللفظی ینتزع نفس البعث وحقیقته ؛ ولو بإلغاء الخصوصیة ، من غیر توجّه إلی الجزئیة والکلّیة ، ویفهم من قوله «اجلس إلی الزوال» أنّ الوجوب إلی هذا الحدّ ، من غیر توجّه إلی إیقاع الوجوب ، وأ نّه أمر جزئی . فحینئذٍ یحصل من القضیة بحسب فهم العرف ارتفاع سنخ الحکم من الغایة .
هذا کلّه بحسب الثبوت ، وأمّا الکلام إثباتاً وأنّ القید هل هو راجع إلی الموضوع أو الحکم أو المتعلّق فلیس له میزان تامّ ، بل یختلف باختلاف التراکیب والمقامات والمناسبات ، فتذکّر .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 146