تذنیب : فی دعوی دلالة النهی علی الصحّة
حکی عن أبی حنیفة والشیبانی دلالة النهی علی الصحّة ؛ لأنّ النهی لا یصحّ إلاّ عمّا یتعلّق به القدرة ، والمنهی عنه هو وقوع المعاملة مؤثّرة صحیحة ؛ فلو کان الزجر عن معاملة مقتضیاً للفساد یلزم أن یکون سالباً لقدرة المکلّف ، ومع عدم قدرته یکون لغواً .
فلو کان صوم یوم النحر والنکاح فی العدّة ممّا لا یتمکّن المکلّف من إتیانهما یکون النهی عنهما لغواً ؛ لتعلّقه بأمر غیر مقدور .
وأجاب عنه المحقّق الخراسانی : بأنّ النهی عن المسبّب أو التسبّب به فی المعاملات یدلّ علی الصحّة ؛ لاعتبار القدرة فی متعلّقه ، وأمّا إذا کان عن السبب فلا ؛ لکونه مقدوراً ؛ وإن لم یکن صحیحاً ، انتهی .
وأنت خبیر : بـأنّ مـورد نظرهما لیس نفس السبب بما هـو فعل مباشـری ؛ إذ لیس السبب متعلّقاً للنهی فی الشریعـة حتّی یبحث عنـه ـ وإن کـان التسبّب منهیاً عنه أحیانـاً ـ بل مـورد النظر هـو المعاملات العقلائیـة المعتدّ بها لولا نهی الشارع عنها .
وبذلک یظهر النظر فیما أفاده بعض الأعیان فی تعلیقته : من سقوط قولهما علی جمیع التقادیر ؛ لأنّ ذات العقد الإنشائی غیر ملازم للصحّة ، فمقدوریته لذاته
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 87 لا ربط له بمقدوریته من حیث هو مؤثّر فعلی ، وإیجاد الملکیة عین وجودها حقیقة وغیرها اعتباراً . والنهی عنه وإن دلّ عقلاً علی مقدوریته لکن لا یتّصف هو بالصحّة ؛ لأنّ الاتّصاف إن کان بلحاظ حصول الملکیة فهی لیست أثراً له ؛ لأنّ الشیء لیس أثراً لنفسه ، وإن کان بلحاظ الأحکام المترتّبة علی الملکیة المعبّر عنها بآثارها فنسبتها إلیها نسبة الحکم إلی موضوعه ، لا المسبّب إلی سببه ؛ لیتّصف بلحاظه بالصحّة ، انتهی ملخّصاً .
وفیه : أنّ محطّ نظرهما إنّما هو المعاملة العقلائیة ؛ أعنی العقد المتوقّع منه ترتّب الأثر والمسبّب علیه لولا نهی الشارع عنه ، فلا یرد إشکاله علیهما .
ولو سلّم تعلّقه بإیجاد الملکیة لکن کون الإیجاد منهیاً عنه یکشف عن تعلّق القدرة علیه ـ کما اعترف به ـ وهو کاشف عن صحّة المعاملة ونفوذها ، لا صحّة الإیجاد حتّی یقال : إنّه لا یتّصف بها . فقوله أجنبی عن محطّ کلامهما علی تقدیر ، ومثبت له علی الآخر .
والتحقیق : أنّ الحقّ معهما فی المعاملات إذا أحرزنا أنّ النهی تکلیفی لا إرشادی إلی فساده ؛ إذ حینئذٍ یتمحّض ظهوره فی الفساد . هذا إذا لم نقل بأنّ النهی إذا تعلّق بمعاملة لأجل مبغوضیة ترتیب الآثار المطلوبة علیها یدلّ علی الفساد فی نظر العقلاء ، وإلاّ یصیر نظیر الإرشاد إلی الفساد ، ویسقط قولهما .
وأمّا العبادات فالمنقول عنهما ساقط فیها علی أیّ تقدیر ؛ سواء قلنا بوضعها للأعمّ أم الصحیح ، أمّا علی الأوّل فواضح ؛ لصحّة إطلاق الصلاة علی الفاسد وإمکان تعلّق النهی به .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 88 وأمّا علی الثانی : فلما قدّمناه من أنّ المراد من الصحیح لیس هو الصحیح من جمیع الجهات ؛ إذ الشرائط الآتیة من قبل الأمر خارجة من المدلول ، بل مطلق الشرائط علی التحقیق . وحینئذٍ فلا منافاة بین الصحیح من بعض الجهات وبین الفساد والمبغوضیة ؛ بحیث لا یصلح للتقرّب .
ولو قلنا بالصحّة الفعلیة فلا یجتمع مع النهی أصلاً ؛ لأنّ العبادة تتقوّم بالأمر أو الملاک ، والأمر لا یجتمع مع النهی ؛ لکون العنوان واحداً . ومثله الملاک ؛ إذ لا یمکن أن یکون عنوان واحد محبوباً ومبغوضاً وذا صلاح وفساد بحیثیة واحدة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 89