جواب التوهّم السابق
قلنا: هذه الـطائفـة من الـمعاصیر تحتمل وجوهاً:
منها: أنّها تکون ناظرة إلـیٰ سلب اعتبار الـنیّـة الـتفصیلیّـة حال الـصلاة؛ وأنّ توهّم الـعنوان الآخر، ونیّـة الـصلاة الاُخریٰ بنحو الـخطور بالبال، مع الـتوجّـه إلـیٰ عنوان صلاتـه بدواً، لایضرّ بتلک الـنیّـة والـعمل.
ومنها: أنّها ناظرة إلـیٰ نفی جواز الـعدول من الـصلاة إلـیٰ صلاة اُخریٰ؛ وأنّـه بعدما افتتح الـصلاة لایجوز لـه الـعدول، وإنّما یحسب لـه ما افتتح علیـه.
ومنها: أنّها ناظرة إلـیٰ مقام الـثبوت؛ وأنّ الـصلاة الـمفتتحـة علیٰ عنوان، فهی باقیـة علیـه وإن ذهل عن ذلک الـعنوان، أو طرأ الـعنوان الـمضادّ لـه، وتحسب لـه تلک الـصلاة، ولکنّها فی مقام الامتثال، هل یجوز الاکتفاء بمثلها؟ فهی ساکتـة عنـه، والـمسألـة ترجع إلـیٰ حکم الـعقل؛ وهو الاشتغال.
ومنها: أنّها ناظرة إلـیٰ أنّ الـقیام للـصلاة الـخاصّـة، کافٍ عن الـنیّـة، ولعلّـه لکونـه أمارة ظنّیـة علیٰ تلک الـنیّـة الـمعتبرة الـمقارنـة للـعمل، وهو مختار بعض الأصحاب حیث قال: «بأنّ فی صورة الـشکّ فی أنّ ما بیده ظهر أو عصر، یبنی علیٰ ما قام إلـیها».
کتابتحریرات فی الفقه: الواجبات فی الصلاةصفحه 127 وهذا هو مقتضیٰ صدر روایـة ابن أبی یعفور، عنـه علیه السلام قال: سألتـه عن رجل قام فی صلاة فریضـة، فصلّیٰ رکعـة، وهو ینوی أنّها نافلـة.
فقال: «هی التی قمت فیها ولها».
وقال: «إذا قمت وأنت تنوی الفریضة، فدخلک الشکّ بعدُ، فأنت فی الفریضة علی الذی قمت له، وإن کنت دخلت فیها وأنت تنوی نافلة، ثمّ إنّک تنویها بعد فریضة، فأنت فی النافلة، وإنّما یحسب للعبد...».
فبالجملة: مقتضیٰ هذا الاحتمال، هو أنّ الـقیام للـصلاة الـمعیّنـة، فی حکم الأمارة الـظنّیـة علیٰ عنوان الـطبیعـة، والافتتاح علیٰ ذلک تمام الـموضوع؛ لکفایـة الـنیّـة بحدوثها، ولا حاجـة إلـیٰ بقائها حتّیٰ بوجودها الـواقعیّ الإجمالیّ، فضلاً عن وجودها الـتفصیلیّ.
نعم، لو لم یعلم لماذا قام، فهی باطلـة؛ أی لایصحّ الاجتزاء بما فی یده أو ما فرغ عنـه؛ لعدم الأمارة علی الـنیّـة الـمعتبرة فی سقوط الأمر.
وهذا الاحتمال هو الأقرب من الاُخریات، والأوفق بظواهر الـروایات مجموعاً، وإن کان مفاد بعض منها، أقرب إلـی الـبعض منها، ومن تلک الـروایات روایـة معاویة قال: سألت أبا عبداللّٰـه علیه السلام عن رجل قام فی الـصلاة الـمکتوبـة، فسها فظنّ أنّها نافلـة، أو قام فی الـنافلـة فظنّ أنّها مکتوبـة.
قال: «هی علی ما افتتح الصلاة علیه».
کتابتحریرات فی الفقه: الواجبات فی الصلاةصفحه 128 ولعلّها ناظرة إلـی أنّ الـظنّ بالخلاف، لم یکن إلـیٰ حدّ لو یُسأل عنـه عن فعلـه، لما کان یقتدر علی الـجواب، بل کان بحیث یتذکّر الـعنوان الـمفتتح بـه لو سُئل عنـه.
وعلیـه یحمل قولهم: «لو دخل فی فریضـة، فأتمّها بزعم أنّها نافلـة غفلةً، أو بالعکس، صحّت علیٰ ما افتتحت علیـه» وإلاّ فإطلاقـه ممنوع؛ لما أنّ الـغفلـة لو کانت إلـیٰ حـدّ الـتحیّر ونسیـان صـورة الـعمل وعنوانـه، تضـرّ بالصحّـة؛ للإخلال بالشرط، علیٰ ما صرّحوا بـه: من «أنّ استدامـة الـنیّـة واجبـة إلـیٰ آخـر الـصلاة؛ بمعنیٰ عـدم حصـول الـغفلـة بالـمرّة» فراجـع وتدبّـر.
فبالجملة: مقتضی الـقاعدة اشتراط الـنیّـة استدامةً.
کتابتحریرات فی الفقه: الواجبات فی الصلاةصفحه 129