جواب المحقّق الأصفهانی عن الشبهة ونقده
قال المحقّق الأصفهانی فی ذیل بیانه لهذا الوجه ما حاصله: أنّ اعتبار العرف فی تلک الموارد، اُخذ بنحو المعرّفیة لما هو باعتبار الشرع، ولیس هو تمام الموضوع، وبعبارة اُخری الموضوع الواقعی ما یعتبره الشرع عهداً وعقداً، وإنّما اُخذ الموضوع العرفی ـ وهو اعتبار العقلاء ـ فیها فی مقام الإثبات بنحو المعرّفیة للموضوع الشرعی، فوجوب الوفاء موضوعه العقد الواقعی باعتبار الشارع، ولکن کان العقد العرفی واعتبار العقلاء فیه مرآةً ومعرّفاً له، ولذا رتّبه علی ما هو عندهم من الاعتبار؛ وذلک للتلازم الواقع بین العهد العرفی والشرعی، وحیث یری الشارع هذا التلازم جعله موضوعاً للوفاء، وإلاّ فالواقع لیس موضوعه العهد العرفی، بل ما هو معتبر عند الشارع، وعلی هذا یکون موارد الاستثناء تخصیصاً فی هذه الملازمة، لا تخطئة لنظر العرف، ولا تضییقاً لدائرة الموضوع الواقعی، ولا تخصیصاً حکمیاً.
أقول أوّلاً: هذا الوجه ـ أی جعل الموضوع العرفی مرآةً ومعرّفاً للموضوع الواقعی ـ لا ظهور له من قوله «أوْفُوا بِالْعُقُودِ» عند العقلاء والعرف حتّی یمکن إلقاؤه علیهم، وإنّما هو وجه یوجّه فی المباحث العلمیة.
وثانیاً: لو قلنا بأنّ موارد الاستثناء تخصیص فی هذه الملازمة، فلا بدّ لنا من أن نلتزم بتقیّد الموضوع الحقیقی وتضیّقه؛ إذ لا یعقل تخصیص الملازمة فی مورد ـ بمعنی عدم توافق اعتبار العقلاء والعرف مع اعتبار الشرع ـ ومع ذلک
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 232 لم یضیّق اعتبار الشرع فیه، مثلاً إن کان الاعتبار العرفی فی البیع قائماً علی الاکتفاء بالعقد الفارسی، واستثنی الشارع هذه الملازمة وقال بعدم الملازمة بینه وبین البیع الواقعی فی هذا، بل اعتبر فیه العربیة، ففی هذا لا مفرّ من تقیّد الموضوع؛ وهو البیع. وبالجملة التخصیص فی الملازمة ینجرّ إلی التقیّد فی الموضوع الواقعی، أو التخصیص الحکمی.
فإن لم یکن کذلک یمکن تقریبه بماذکره رحمه الله حیث کان المورد ـ وهو الفسخ المعاطاتی ـ ممّا شکّ فی تخصیصه فی الملازمة، ومع بقائه عند العرف والفرض عدم إثبات نفی الملازمة، فالموضوع وهو العقد الواقعی بمعرّفیة العقد العرفی باقٍ، وأمّا إن کان التقیّد راجعاً إلی الواقع، فمع الشکّ فی التلازم یرجع إلی الشکّ فی التقیّد، ومعه لا مجال للتمسّک بالآیة؛ إذ موضوعه وهو العقد مشکوک البقاء وإن کان باقیاً عرفاً؛ للشکّ فی تقیّده واقعاً.
والحاصل: أنّ غرض هذا المحقّق من التمحّل المذکور الخلاص من محذور تخطئة العرف ـ بأن کان الاستثناء علی الموضوع وتضیّقه ـ ومن التخصیص الحکمی؛ لاستنکاره ذلک، لأنّ جعل الموضوع الاعتباری ثمّ سلبه مستنکر، ولذا ذهب إلی أنّ الاستثناء وارد علی التلازم الواقع بین الموضوعات العرفیة العقلائیة وما هو موضوع واقعاً، وکان الموضوع ما عند الشارع من الاعتبارات.
وفیه أوّلاً: أنّ الظاهر من تعلّق الوفاء بالعقود العقلائیة العرفیة، أنّ الموضوع هو هذه العقود العقلائیة لا غیرها، وإثبات خلافه یحتاج إلی دلیل وقرینة.
وثانیاً: أ نّه ما المراد بهذه المقالة، فإن کان مراده أنّ الموضوع واقعاً ما هو معتبر عند الشارع من العقود الواقعیة الاعتباریة عنده، وکانت العقود العرفیة مرآةً إلیها، ومعرّفةً لها، ولیس فیها موضوعیة أصلاً، فلازم ذلک أن لا یکون
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 233 الموضوع هذه العقود العرفیة العقلائیة، وعدم تعلّق وجوب الوفاء بها، وکان قوله: «أوْفُوا بِالْعُقُودِ»مرآةً وعَبْرةً لوجوب الوفاء بالعقود الشرعیة المعتبرة عنده، فیلزمه المحذور المتقدّم؛ إذ علی هذا یکون موضوع الوفاء العقد الشرعی، وهو مشکوک البقاء بعد الفسخ.
وإن کان المراد أنّ الموضوع هذه العقود العرفیة والاعتبارات العقلائیة؛ وذلک للتلازم الواقع بینها وبین الاعتبارات الشرعیة، ولکنّ الموضوع هذه المستلزمات؛ أعنی ما عند العرف من الاعتبار فی العقود، فلازمه أن یکون التخصیص تخصیصاً فی الحکم؛ إذ المفروض أنّ الموضوع هو هذه الاعتبارات، فما لم یجب الوفاء به فهو خارج عنه حکماً لا موضوعاً، فهو کرّ علی ما فرّ منه.
ولو کان مقصوده أنّ مفاد الآیة بیان الملازمة الواقعة بین هذه العقود والاعتبارات العقلائیة وبین ما هو معتبر عنده إخباراً عن ذلک أو إنشاءً وإیقاعاً له بهذه الجملة، فموارد الاستثناء استثناء فی هذه الملازمة الکلّیة، ففیه ـ مع أ نّه خلاف الظاهر، ولا یفهم منه ذلک ـ أنّ التخصیص فی الملازمة لا یتحقّق إلاّ بتقیّد الموضوع؛ وهو العقد عنده، إذ مفاد الملازمة أنّ کلّ عقد عند العرف عقد عندی، وتخصیصه برفع هذه الکلّیة واستثناء بعض العقود منها؛ وأ نّه لیس هذا العقد عقداً عندی، ومن الواضح أنّ ذلک یستلزم التقیّد والتضیّق فی العقد عنده حتّی لا یکون عقداً عنده، وهو ممّا لا خفاء فیه، ولا شکّ یعتریه؛ إذ لو لم یکن تقیّداً للعقد عنده فالملازمة باقیة فیه، ولا معنی لتخصیص الملازمة.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 234