حول جواب المحقّق النائینی عن الشبهة
وقد تصدّی لتصحیح الاستدلال المحقّق النائینی رحمه الله حتّی لا یرد علیه هذا الإشکال فقال: لو کان المجعول بالأصالة الحکم التکلیفی وکان الحکم الوضعی منتزعاً منه ولم یکن له جعل مستقلّ ـ کاللزوم فی المقام ـ فیجب أن یکون الحکم التکلیفی المستتبع للحکم الوضعی، مناسباً له ومجعولاً علی نحو ینتزع منه المطلوب، فعلی هذا یکون مفاد الآیة وجوب الوفاء بالعقد والعمل بما اقتضاه مطلقاً؛ أی فی جمیع الأزمنة حتّی بعد الفسخ، لاقتضاء مقدّمات الحکمة ذلک.
کما أنّ المناسب للفظ «الوفاء» أن یکون متعلّقه المعنی المصدری؛ أی الإیجادی لا الاسم المصدری، وبعبارة أوضح یکون المناسب لوجوب الوفاء نفس تعهّده والتزامه، لا ماتعهّد به والتزمه، فیجب الوفاء بالتعقید والتعهّد، لا بالعقد الحاصل منه، وعلی هذا ففی کلّ زمان یجب العمل بذلک التعهّد والالتزام.
ولا یرد: أ نّه بعد الفسخ لیس لنا عقد مفروض التحقّق حتّی یجب الوفاء به؛ للشکّ فی ارتفاعه بالفسخ .
لأنّک قد عرفت أنّ الحکم ـ بناءً علی الانتزاعیة ـ لابدّ أن یکون بحیث یناسب انتزاع اللزوم منه، والمناسب له أن یتعلّق الوفاء بالمعنی المصدری؛ أی الالتزام والتعقید، لا العقدة والملتزم به.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 224 فإذا کان الالتزام بما التزم به واجباً، فمعناه أنّ کلّ واحد من المتعاقدین لیس مالکاً لالتزامه الذی ملک صاحبه، فیسلب بالأمر بالوفاء القدرة علی انحلاله وإن کان الحکم الوضعی متأصّلاً فی الجعل، فمفاد قوله تعالی: «أوْفُوا بِالْعُقُودِ» هو أنّ العقد لازم لا ینحلّ، فیکون الأمر فیه إرشاداً إلی هذا المعنی وکنایة عنه.
أقول أوّلاً: هل للآیة ـ مع قطع النظر عن البناءین المذکورین ـ ظهور أم لا؟ فإن کان لها ظهور منحاز عنهما ـ کما هو کذلک ـ فیجب البحث فیه، ولا ینبغی تفریع ظهور الآیة علی البناءین، وبالجملة لابدّ لنا من النظر فی الآیة مع قطع النظر عن أصالة الوضع وعدمها.
وثانیاً: ما المعنی لسلب القدرة من المالک؟ فمن المعلوم عدم إرادة القدرة التکوینیة، فلابدّ أن یراد بسلب القدرة سلبها تشریعاً، ولیس لسلب القدرة تشریعاً محصّل إلاّ أ نّه یجب علیه العمل بتعهّده والتزامه، وهذا لا یدلّ علی عدم نفوذ فسخه ولزوم العقد؛ إذ یمکن وجوب العمل بالتعهّد مع جواز المعاملة وقابلیتها للفسخ، واللازم هنا إثبات مسلوبیة القدرة وضعاً لا تکلیفاً، وأ نّی له بإثباته؟! فلیس کلّ حکم تکلیفی ینتزع منه الوضع.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 225