اعتبار أهلیة المتعاقدین
و من الشروط المذکورة قابلیة کلّ من المتعاقدین ـ فی حال إنشاء الآخر ـ للإنشاء؛ من حیث الشروط المعتبرة فی المتعاقدین.
وقد فصّل بعضهم بین ما یخلّ عدمه بحصول أصل المعاقدة والمعاهدة؛ ممّا لا یصحّ معه التخاطب، مثل الجنون، والموت، والإغماء، والنوم، وأمثال ذلک ممّا لا یمکن الخطاب معه، فإنّ المجنون والمغمی علیه وأشباههما، لایمکن أن یصیروا مورد التخاطب والمعاهدة نظیر الجماد، وبین ما لا یخلّ عدمه بذلک، مثل السفه، والإفلاس، والصغر، وعدم الرضا، ونحو ذلک، فإنّها ممّا یصحّ معها المعاهدة والخطاب.
أقول: هنا صورتان:
اُولاهما: اتّصاف القابل بأحد الأوصاف المذکورة حین الإیجاب، والإفاقة منها حین قبوله.
وثانیتهما: صورة اتّصاف الموجب بها بعد إیجابه.
أمّا الصورة الاُولی، فلا یخفی، أنّ حقیقة المعاملة، لیست إلاّ مبادلة المالین
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 327 والمعاوضة بینهما، ولیس فیها تخاطب وتعاهد یکون قوامها به، وقد عرفت أنّ تمام حقیقة المعاملة ـ أی المبادلة ـ هی فعل البائع، ولیس وزان القبول إلاّ وزان الرضا والإجازة لفعله، فإذن لا مانع من تحقّق المبادلة فیما إذا لم یکن المشتری أهلاً حین الإیجاب، ثمّ صار أهلاً بعد الإیجاب حین القبول؛ فإنّ حقیقة المعاملة ـ وهی فعل البائع ـ لا تتوقّف علی أهلیة المشتری، وما یتوقّف علیه ـ وهو القبول ـ کان فی زمن أهلیته، نظیر الفضولی، فإنّه لو فرض وقوع المعاملة من الفضولی فی حال جنون الأصیل أو إغمائه، فأفاق منه وأجازه، فلا إشکال فی صحّته، وقد فرضنا أنّ وزان القبول هو وزان الإجازة، بل هو عینها، ولیس إیقاعاً وإیجاداً فی مقابل إیقاع البائع حتّی یعتبر فیه صحّة التخاطب والتعاهد مع الطرف الآخر، فیصحّ هنا، مثل ما فی الفضولی.
وأمّا الصورة الثانیة ـ وهی ما إذا صار البائع متّصفاً بأحد هذه الأوصاف بعد إنشائه وإیجابه ـ فقد یقال هنا: إنّ الإیجاب یصیر منسیّاً بعد عروض هذه الأوصاف؛ بحیث لا یکون له أهلیة التعقّب بالقبول.
ولکن یمکن أن یقال: إنّ حقیقة المعاملة نفس المبادلة بین المالین، وقد أوجدها البائع فی مقام الإیجاد والإنشاء الاعتباری؛ وإن لم تصر موضوع اعتبار العقلاء إلاّ بعد القبول، فعروض هذه الأوصاف بعدها، لا یضرّ بأصل حقیقة المعاملة من جهة الإیجاد والإنشاء.
نعم، یعتبر بقاء الموجب علی التزامه ورضاه إلی إتمام المعاملة؛ بأن صار موضوعاً لاعتبار العقلاء، ففی مثل عدم الرضا بعد الإیجاب لا یصحّ؛ لخلوّه من الرضا المعتبر بقاؤه إلی إتمام العقد.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 328 وأمّا مثل الموت فیعتبر رضا الورّاث؛ لأنّ المال ینتقل إلی الوارث، فهو مالکه فعلاً؛ إذ الفرض عدم تحقّق النقل إلی المشتری فی عالم الاعتبار، فینتقل بالموت المال الذی قد وقع علیه البیع إلی الوارث، فإن کان راضیاً بما وقع علیه فیتمّ بالقبول من المشتری، وإلاّ فلا، فالوارث یقوم مقام المورّث فی ذلک، نظیر الفضولی أیضاً فیما إذا مات الأصیل قبل الإجازة. وهکذا فی الجنون الطارئ علی البائع بعد الإیجاب؛ إن لم یصر منسیّاً مغفولاً عنه، فیقوم الولیّ مقامه.
وأمّا النوم والإغماء، فمن جهة أنّ الرضا والالتزام بالإیجاب کان محفوظاً فی خزانة نفسه من غیر تغیّر، فلا إشکال فیه، فیتمّ بالقبول.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 329