تنبیه علمی وتوضیح عیانی: حول الاسم«المؤمن» و«الرازق» و«المنفق»
إنّ من أسماء الـجلالـة «الـمؤمن»، ففی سورة الـحشر «لاَ إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِکُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ»، ومن الـصفات الـکمالیّـة «الـمقیم» و«الـمدیم»، ومن الأسماء الـجمالیّـة «الـرازق» و«الـمنفق»، ففی سورة الـمائدة «بَلْ یَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ یُنْفِقُ کَیْفَ یَشَاءُ»؛ من غیر أن یلزم من إنفاقـه نقصان فی سلطانـه، فهذه الآیـة الـکریمـة تمثّل الـمثال الأعلیٰ لـلربّ الـمتعال، وأنّ الـعبد الـمهتدی بهدایـة الـقرآن یکون مظهراً لـجمیع الـصفات الـجمالیّـة والـجلالیّـة، ویتجلّیٰ فیـه الأوصاف الـکمالیّـة، فیشارک ربَّـه فی الإیمان والإقامـة والإدامـة والإنفاق، الـتی کلّها من خصوصیّات الـواجب
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 460 بالذات، ومن توابع الـوجود الـصِّرف الـقائم والـمُقوِّم لـلهویّات، فیکون مؤمناً بالغیب؛ أی محصّلاً لـلأمن لأجل تجلّی الـغیب فیـه ومعاینـة الـحقائق الـغیبیّـة، أو لأجل أنّـه تعالیٰ هو الـمؤمن والـمصدّق، فإنّـه تعالیٰ من صفاتـه الـتصدیق: «لَقَدْ صَدَقَ اللّٰهُ رَسُولَهُ الرُّؤْیَا بِالْحَقِّ»، فیکون «الـمؤمن» من الأسماء الـجمالیّـة، والأوّل ـ بحسب اعتبار عرفانیّ ـ أقویٰ؛ ضرورة أنّ الـعبد لابدّ وأن یحصل فی سلوکـه الـجلوات الـجلالیّـة، وأن یتحقّق لـقیام الـتسبیح والـتنزیـه ورفض الـنواقص والـشرور، ثمّ یتحلّیٰ بحِلیـة الـکمالات والـتجلّیات الأسمائیّـة.
ثمّ إنّ الـحقیقـة تکون حاصلـة من الـقلب ثمّ إلـیٰ الـبدن، ثمّ تنتهی إلـیٰ الأعمال الـربوبیّـة، وهو الإنفاق، فإنّ الإیمان من الأسماء الـذاتیّـة، والإقامـة والإدامـة من الأسماء الـصفاتیّـة، والإنفاق من الأسماء الأفعالیّـة، فالعبد الـسالک بالحقّ فی الـحقّ یصل إلـیٰ مقام یماثل الـحقّ، فیکون فی الابتداء مؤمناً، ثمّ فی الـرتبـة الـثانیـة مُقیماً، وفی الـثالثـة فاعلاً بإنفاق الـتجلّیات الـذاتیّـة والأسمائیّـة، فإنّـه أحسن الـتجلّیات فائدة وأثراً، ومعلول تلک الـتحلّیات الـتی هی تـتقوّیٰ بتلک الـتجلّیات، فإنّ الـذوات الإمکانیّـة ترتقی بإمداد الأفعال والأعمال. واللّٰه تعالیٰ هو الـموفّق والـمؤیّد.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 461