نقل وتحقیق : فی إشارة السورة إلیٰ الأسفار الأربعة
قد اختلفوا فی کیفیّـة سیر الـسالکین وسفر الـعارفین علیٰ تعابیر مختلفـة ومشاهدات متفاوتـة. والـذی مرّ منّا هو الـذی أفاض اللّٰه تعالیٰ علیٰ قلب عبده فی سالف الأزمنـة ـ خلافاً لـزمرة أرباب الـتألیف ولما قیل فی الـمقام ـ أنّ هذه الـسورة بأجمعها تشیر إلـیٰ تلک الـسفرات الـمعنویـة والأسفار الـروحانیّـة؛ وذلک لأنّ:
الاستعاذة إشارة إلـیٰ الـسفر من الـخلق إلـیٰ الـحقّ؛ لأنّ هذا الـسفر فرار من الـکثرات ومظاهر الـشیطان إلـیٰ عالم الـتوحید ومظاهر الـحقّ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 216 تعالیٰ، والاستعاذة الـقولیّـة إخبار بهذا الالتجاء، والاستعاذة الـفعلیـة نفس ذلک الالتجاء والـفرار.
والـتسمیةُ إلـیٰ قولـه: «مَالِکِ یَوْمِ الدِّینِ» إشارةٌ إلـیٰ الـسفر من الـحقّ إلـیٰ الـحقّ، فإنّ الـتسمیـة إخبار بالاتّصاف بصفاتـه تعالیٰ، وما بعده إلـیٰ «مَالِکِ یَوْمِ الدِّینِ»إعلام بحرکـة الـسالک فی صفات الـحقّ تعالیٰ إلـیٰ ظهور مالکیّتـه وفناء الـعبد فی ذاتـه، وهذا الـسفر حرکـة فی صفات الـحقّ تعالیٰ إلـیٰ فناء الـعبد.
وقولـه: «إِیَّاکَ نَعْبُدُ وَإِیَّاکَ نَسْتَعِینُ» إشارة إلـیٰ الـسفر بالحقّ فی الـحقّ؛ لأنّ مالکیّتـه تعالیٰ لا تظهر إلاّ إذا صار الـعبد فانیاً من فعلـه ووصفـه وذاتـه، وبفناء ذاتـه یتم عبودیّتـه، وبعد کمال عبودیّتـه لا یکون سیره إلاّ إلـیٰ الـحقّ الـمطلق، ولا یکون إلاّ بالحقّ لـعدم ذات لـه.
وقولـه تعالیٰ: «إِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِیمَ» إشارة إلـیٰ الـسفر بالحقّ فی الـخلق، وهذا هو الـرجعـة الاختیاریّـة فی الـعالم الـصغیر، والـبقاء بعد الفناء والصحو بعد المحو، وینبغی أن یکون هذا الـسفر بحفظ الـوحدة فی الکثرات، والـصراط الـمستقیم فی هذا الـسفر هو محفوظیّـة الـوحدة فی الـکثرة؛ بحیث لاتغلب إحداهما علیٰ الاُخریٰ، ولا تختفی إحداهما تحت الاُخریٰ.
وهذه الأحوال قد تطرأ علیٰ الـسُّلاّک؛ سواء استشعروا بها أم لـم یستشعروا. أذاقنا اللّٰه وجمیع الـمؤمنین منها ومکّننا فیها، والـحمد للّٰه أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّٰه الـعلیّ الـعظیم.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 217