المسألة الثالثة
حول دلالة الآیة علیٰ وجوب تکرار الصلاة
قضیّـة ما تحرّر فی الاُصول: أنّ الأمر الـمتعلّق بالطبیعـة لایقتضی إلاّ الامتثال مرّة واحدة، ووجوب الـتکرار یحتاج إلـیٰ الـدلیل، ولأجلـه
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 441 لایجب الـحجّ فی طول الـعمر إلاّ مرّة واحدة؛ لأنّ مفاد الآیـة لایزداد علیـه، کما یؤیّده بعض الـمآثیر والـروایات.
وعلیٰ هذا یتوجّـه الـسؤال إلـیٰ الـفقیـه من : أنّ الـکتاب هل یدلّ علیٰ وجوب الـصلوات الـمفروضـة ـ مثلاً ـ فی کلّ یوم مرّة، أم الـدلیل علیـه ینحصر بالسُّنّـة والـسیرة؟
ویُشکِل الـجواب حسب ما عرفت؛ لأنّ قولـه تعالیٰ:«أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إلَیٰ غَسَقِ اللَّیْلِ» لایدعو إلاّ إلـیٰ الـطبیعـة ، فإذا قام الـمکلّف وأتیٰ بها فی یومٍ علیٰ الـکیفیّـة الـواصلـة یکفی، ولا شاهد من الـکتاب علیٰ لـزوم الـتکرار والإدامـة.
وتوهّم: أنّ ذکر بعض الـقیود فی متعلّق الـهیئـة والأمر الـمتکرّرة بالطبع، دلیل علیٰ لـزوم الـتکرار.
غیر مقبول، مثلاً: إذا قال الـمولیٰ: أکرم زیداً یوم الـجمعـة، فإنّ تکرار یوم الـجمعـة لایورث لـزوم تکرار الإکرام، فقولـه تعالیٰ: «أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إلَیٰ غَسَقِ اللَّیْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ» لایُشعر بلزوم الإقامـة عند کلّ دلوک، فلْیتدبّر.
فعلیٰ هذا هل لـنا دعویٰ: أنّ هذه الآیـة الـشریفـة «أَلَّذِینَ یُؤمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَیُقِیمُونَ الصَّلاَةَ» تدلّ علیٰ الأزید من أصل الإتیان بالصلاة، وهی إدامـة الـصلاة بناءً علیٰ ما عرفت فی بحوث الـلغـة: أنّ من معانی الإقامـة هی الإدامـة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 442 وإن شئت قلت: إنّ الـصلاة کانت مفروضـة قبل نزول الآیـة الـشریفـة الـمشار إلـیها فی سورة الإسراء، فقولـه: «أَقِمِ الصَّلاَةَ» یفید لـزوم الإدامـة عند کلّ دلوک.
والإنصاف: أنّ معنیٰ الإقامـة ـ حسب الـمتبادر منها ـ لـیست هی الإدامـة؛ وإن کانت بمعناها لـغـة، بل الإقامـة متّخذة من الـقیام، واستُعیرت للصلاة؛ لـما فیها من الـقیام؛ لـقول الـمصلّی فی الإقامـة: «قد قامت الـصلاة» ، وتکون حسب الـمفهوم منها ـ کما عرفت تفصیلـه ـ هی الـتعدیل والإتیان بها علیٰ صفـة الـعدالـة والاستواء والاستقامـة، وکأنّ الـصلاة هی الـصراط الـمأمور بالاستقامـة علیـه وإقامتـه وتعدیلـه الـذی مرّ فی قولـه تعالیٰ: «إِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ».
ثمّ من العجیب توهّم بعض المفسّرین: بأنّ الـمراد من إقامـة الـصلاة هی الإتیان بالإقامـة الـمصطلحـة لـلصلاة، ثمّ شرع فی أحکام الإقامـة والـصلاة وآدابهما بما لایرجع إلـیٰ محصّل. هذا، مع أنّ إقامـة الـصلاة وإیتاء الـزکاة والإنفاق ممّا رزقناهم من باب واحد قطعاً، نعم هناک خصوصیّـة فی الـتعبیر عن الإتیان بالصلاة بقولـه «یُقِیمُونَ الصَّلاَةَ» وقد عرفت حالها.
ثمّ إنّـه لـو سلّمنا وتنزّلنا عن ذلک، وقلنا : إنّ الإقامـة هی الإدامـة، فلنا دعویٰ دلالتها علیٰ لـزوم أو رجحان إدامـة الـصلاة الـتی اشتغل بها ، دون الإدامـة الـمقصودة، وهی تکرارها فی کلّ یوم.
وعلیٰ هذا یسقط الاستدلال بقولـه تعالیٰ: «أَلَّذینَ هُمْ عَلَیٰ صَلاَتِهِمْ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 443 دَائِمُونَ» هذا، مع أنّ وجوب الإدامـة لایستفاد من الآیـة الـکریمـة.
وتوهّم: أنّ الـمقصود من الـصلاة هی الـفرائض، ومن الإنفاق هی الـزکاة الـواجبـة، وأنّ الإیمان بالغیب لازم، فیعلم أنّ الإدامـة واجبـة.
فی غیر محلّـه؛ لـما عرفت من أعمّیّـة الآیـة، ومن أنّ الاختصاص الـمزبور لایورث لـزوم الإدامـة.
فبالجملة: لاتدلّ الآیـة الـکریمـة علیٰ أزید من مطلوبیّـة الـصلاة ومطلوبیّـة تعدیلها؛ بحسب الـصورة الـظاهرة وبحسب الآداب الـباطنیّـة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 444