المسألة الثامنة
حول کلمة «ینفقون»
«أنفق» لازم ومتعدّ یقال: أنفق إذا افتقر وذهب مالـه وفنی ونفد، ومنـه قولـه تعالیٰ: «إِذاً لَأَمْسَکْتُمْ خَشْیَةَ الإنْفَاقِ» أی خشیـة الـنفاد والـفناء، وأنفق مالـه: أنفده وأفناه. انتهیٰ ما علیـه أهل الـلّغـة.
وقیل: أصل هذه الـمادّة تدلّ علیٰ الـخروج والـذهاب، ومنـه الـنافق والـنافقاء. انتهیٰ.
أقول: الـکلام هنا فی مفاد «الإنفاق» مادّة وهیئةً:
أمّا بحسب الـمادّة: فهو إفناء الـمال وإنفاده فی محلّ ینبغی ویلیق، وفی مورد یستحسن عرفاً، ولیس مساوقاً لـقولـه: ضیّعـه وبذّره تبذیراً.
فما فی کتب الـلّغـة خلاف ماهو الـمتبادر منـه جدّاً، فلایقال لـمن ألقیٰ مالـه فی الـبحر: أنّـه أنفقـه مع صدق قولهم: أنفده وأفناه، ولایلزم أن یکون الـمورد ممّا یستحسنـه الـشرع؛ لـشهادة قولـه تعالیٰ: «اَلَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 413 رِئَاءَ النَّاسِ».
وأمّا بحسب الـهیئـة: فما یتراءیٰ من کلماتهم أنّها بین الـلاّزم والـمتعدّی بالهمزة، ولایتعدّیٰ بغیرها، ولایصحّ قولنا: یَنفُق من مالـه، فلایصحّ «ممّا رزقناهم یَنْفُقون» حسب الـلغـة وما یُستظهر منها، فراجع وتدبّر.
ولو کان «الإنفاق» من «نفق» بمعنیٰ خرج، ومنـه قولهم: نفق الـبیع؛ أی خرج من ید الـبائع ودخل فی ید الـمشتری، فهو أیضاً متعدٍّ بالهمزة، ولایکون الإنفاق لازماً حتّیٰ یتعدّیٰ بـ «من» فی الـمقام.
نعـم هنـا کـلام وهـو : أنّ کلمـة «من» لـیست لـلتعدیـة، بل هی لـلتبعیض، فإذا قیل: أنفق من مالـه ، فمعناه أنفق بعض ذلک، وغیر خفیّ أنّ مفهوم الـمال لیس داخلاً فی حقیقـة الـلغـة؛ حتّیٰ یکون مجازاً إذا قیل: أنفق ممّا علّمناه شیئاً.
وقـد صـرّح بعـض أربـاب الـلغـة: بأنّ ذکـر هـذه الاُمـور عند تفسیر الـلغـة لإبانـة الـمعنیٰ وإفهامـه، ولا یتقیّـد بـه مفهـوم الـلغـة ومعنـاها، فلاتغفـل ولاتخلط.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 414