التمسّک بحدیث الرفع لبطلان عقد المکره مطلقاً وجوابه
إن قلت: قضیّـة حدیث الـرفع بطلان جمیع الـصور؛ لصدق «الإکراه» عرفاً، وإذا کان أثر الـمعاملـة - وهی الـصحّـة - مرفوعاً، فسائر الآثار الـطولیّـة - من اللزوم وغیره - مرفوع أیضاً قهراً.
قلت: الـذی اُکره علیـه إن کان إرادتـه، فارتفاعها یؤدّی إلـی ارتفاع الـمراد؛ وهو الـمعتبر الـخارجیّ.
وإن کان الإنشاء اللفظیّ دون الإرادة، کما فی کثیر من موارد الإکراه، فلا معنیٰ لنفی جمیع الآثار؛ فإنّ الـنقل والانتقال - وهو الـبیع الـمسبّبی - من الآثار الـقهریّـة الـمترتّبـة علی الـبیع الـسببیّ، کالـنجاسـة الـمترتبـة قهراً علیٰ شرب الـمسکر عن إکراه، فکما لا ترتفع الـنجاسـة هناک، لا یرتفع الـبیع الـمسبّبی هنا.
نعم، ما هو أثر نفس الـتلفّظ بذاتـه - من الأمر الـوضعیّ فرضاً، أو الـتکلیفیّ - مرفوع بالـحدیث الـشریف.
وبعبارة اُخریٰ: الـبیع الـسببیّ والـمسبّبی متقوّمان بالإرادة، وإذا کانت هی مرفوعـة فلا یعقل بقاء الأثر؛ للزوم الـتهافت بین الـرفع والـوضع، ولکنّ الـبیع الـمسببیّ غیر متقوّم باللفظ؛ وهو الـبیع الـسببیّ، بل هو اعتبار عقیب الاعتبار؛ علیٰ ما تقرّر فی محلّـه.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 328 وإن شئت قلت: مورد الإکراه فیما کانت إرادة الـبائع هو الـسبب بما هو سبب؛ وفیما کان الـتلفّظ بالـبیع إنشاءً، هو ذات الـسبب؛ سواء أثّر فی معلولـه، أو لم یؤثّر.
وعلیٰ هذا لابدّ من صدق فناء إرادة الـمکرَه فی إرادة الـمکرِه؛ حتّیٰ لا یری الـوسط بینهما من الـدواعی الاُخر، وإلاّ فلا دلیل علیٰ بطلانـه.
بل قضیّـة الاستثناء فی آیـة الـتجارة صحّـة بیع الـمکرَه؛ لأنّ الـرضا بمعنی الـطیب الـعقلیّ موجود، وبمعنی الـطیب الـنفسانیّ غیر موجود فی بیع الـمضطرّ، وبمعنی الـعقد والإرادة موجود فی جمیع الـفروض.
اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّ ظاهر کلمـة الاستثناء: «إِلاَّ أَن تَکُونَ تِجَارةً عَن تَرَاضٍ مِنْکُمْ» هو کون الإرادة مستندة إلـیٰ ربّ الـتجارة، وأمّا إذا کانت معلولـة الإرادة الاُخریٰ من الـمکرِه وغیره، فلا تکون الـتجارة صحیحـة وحقّـة، بل هی باطل، فلفظـة «مِنْکُمْ» ربّما تفید هذا الـمعنیٰ الـذی أسّسناه فی الـمقام. وقد خرجنا من الاختصار، فنرجو قبول الاعتذار.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 329