الروایة الثانیة: حدیث السلطنة
أی الـمرسلـة الـمعروفـة بالاشتهار: «الناس مسلّطون علیٰ أموالهم».
وجدتها فی «الـبحار» ولعلّها فی الـصحف الاُولیٰ.
وتقریبها: أنّ الـسلطنـة هی الـتی تکون قاطعـة لأیادی الآخرین؛ فیما کانت حقیقیّـة، وإذا کانت اعتباریّـة فهی کذلک، فإذا انتقل الـمال بالـعقد الـمملّک، فلیس لأحد الـتصرّف فیـه بدون رعایـة سلطانـه، ولا تملّکـه ونقلـه اعتباراً کذلک؛ لأنّـه أیضاً یعدّ منافیاً لها، وحیث ثبت أنّـه سلطان علی الإطلاق علیها، لا تأثیر لمثل الـفسخ، کما لا أثر للبیع ونحوه.
ولو سلّمنا أنّـه لا إطلاق لها بالـنسبـة إلـیٰ قطع ید الأجانب، أو أنّـه لاینافی إطلاقها نفوذ الـتصرّفات الاعتباریّـة من الآخرین، فیکون الـکلّ نافذة تقلّباتهم مثلاً، فلنا أن نقول: بأنّ ذلک أیضاً یؤدّی إلـیٰ بطلانها؛ لما عرفت، فإنّ الـسلطنـة الـمطلقـة علی الـتصرّفات الـخارجیّـة، تؤدّی إلـیٰ ممنوعیّـة الـغیر حتّیٰ بعد الـفسخ، وهو یلازم فساده وعدم تأثیره.
إن قلت: الاستدلال یتمّ ببرکة الأصل، والکلام حول الأدلّـة الاجتهادیّـة ودلالتها علی اللزوم.
قلت: هذا هو الأصل الـموضوعیّ، وهو لایدلّ علی اللزوم، بل دلیلـه
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 100 تلک الأدلّـة.
والـعجب أنّ الأصحاب توهّموا لزوم تمامیّـة الاستدلال بالـوجـه الـذی لاتصل الـنوبـة إلـیٰ مثلـه، وابتلوا بخلاف الـظواهر کثیراً کما تریٰ!! مع أنّ الـمطلوب - وهو لزوم الـعقود - یثبت بها ببرکتـه.
فما قد یتوجّـه إلـی الـتقریب الأوّل: من دعوی انصراف «الـمال» إلـی الأموال الـمتعارفـة الـثابتـة الـمستقرّة الـمحتاجـة فی انتقالـها إلـیٰ سبب جدید، غیر متوجّـه إلـی الـثانی.
ولعمری، إنّها غیر بعیدة جدّاً، وإلاّ یلزم الـتخصیص کثیراً. مع أنّا نری أنّ إعمال الـخیار لاینافیـه، بل ولایشمل الـمرسلـة الـفسخ الـذی یتعلّق بالـعقد؛ فإنّ الـقدرة علیٰ فسخ الـعقد لاینافی إطلاق الـسلطنـة. والانتقال الـقهریّ الـحاصل بالـفسخ، لیس مزاحماً لسلطانـه؛ لأنّـه من تبعات ما لیس داخلاً فی إطلاق سلطنتـه.
ومن الـعجیب تفسیرهم «الـفسخ» بالـتملّک!! مع أنّـه خلاف ما بنوا علیـه، وخلاف ما علیـه ارتکاز الـعقلاء؛ لأنّـه حلّ الـعقد وفتح الـعقدة.
لایقال: لایمکن استفادة فساد الـفسخ من الـتقریب الـثانی ولو ببرکـة الاستصحاب؛ لأنّـه علیٰ فرض إثبات سلطنتـه علیٰ مالـه بعد الـفسخ، لاینافی ثبوت الـسلطنـة الاُخریٰ فی عرضها؛ لعدم الـمانع من اجتماع الـسلطنتین علیٰ أمر واحد، ویکون کلّ واحد منهما نافذاً، کما فی سلطنـة
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 101 الـجدّ والأب علیٰ مال الابن، فالـمدلول الـمطابقیّ منـه غیر کافٍ، خلافاً لما توهّمـه الـقوم.
لأنّا نقول: لاشبهـة فی أنّ الـمستفاد من الـمرسلـة؛ الـسلطنـة علی الأموال بأنحاء الـتصرّفات الـحسّیـة، وقطع ید الآخرین خارجاً، وهذا هو الـموجب لفساد الـفسخ وعدم تأثیره؛ لأنّـه لا معنیٰ لأن یمنع عن الـتصرّف الـخارجیّ فیما عاد إلـیـه بعد الـفسخ مع کونـه مؤثّراً.
وأمّا کونها دالّـة علی المعنی الالتزامیّ، وقطع ید الأجنبیّ عن التملکات الاعتباریّـة، فهو محلّ منع وإشکال، وممّا لا حاجـة إلـیـه کما عرفت، فتدبّر.
ثمّ إنّـه یمکن دعویٰ قصورها عن إثبات لزوم عقد الإجارة ونحوها؛ إمّا لانصرافها عن مالـیّـة الـمنافع، أو لأنّها لیست مالاً، ولکنّها غیر مسموعـة؛ لشهادة الـعرف علیٰ خلافها.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.۱)صفحه 102