التوجیه المقبول لعدم التداخل
إذا ظهر لک عدم تمامیة الوجوه التی استدلّ بها الأعلام لعدم التداخل ، فحان التنبیه علی الوجه المختار فی ذلک ، وهو الذی أشار إلیه المحقّق الخراسانی فی التعلیقة ، ولعلّه موجود أیضاً فی کلام الشیخ الأعظم الأنصاری أعلی الله مقامه . قال قدس سره ما نصّه : «أنّ العرف لا یکاد یشکّ ـ بعد الاطلاع علی تعدّد القضیة الشرطیة ـ أنّ قضیته تعدّد الجزاء ، وأنّه فی کلّ قضیة وجوب فرد غیر ما وجب فی الاُخری ، کما إذا اتصلت القضایا وکانت فی کلام واحد ، فافهم» .
وإلیک توضیح ما أفاده : وهو أنّه إذا قیل للعرف السلیم ذهنه من الشبهات :
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 267 «إذا وقعت فأرة فی البئر یجب نزح عشر دلاء» مثلاً ، یفهم منه أنّ وقوع الفأرة فیها یوجب قذارة فی ماء البئر لا تکاد ترتفع إلاّ بنزح ذاک المقدار ، فیری أنّ بین وقوع الفأرة فیها ونزح ذاک المقدار مناسبة ، وإلاّ کان الأمر به عند ذلک جزافاً ، وواضح أنّه یفهم کذلک إذا قیل له : «إذا وقعت هرّة فیها یجب نزح عشر دلاء» فإذا وقعتا معاً أو متعاقباً فیها ، یری أنّ لوقوع کلّ منهما اقتضاءً خاصّاً بها لا یکون فی الاُخری ، فیجب تعدّد النزح عند وقوعهما فیها .
وبالجملة: المناسبة العرفیة بین الشرط والجزاء، أوجبت تحکیم ظهور إطلاق الشرط علی إطلاق الجزاء، فیدرک العرف ـ بفطرته وارتکازه ـ أنّه عند تعدّد الشرط یتعدّد الجزاء . ولعلّ ما ذکره الأعلام فی تقاریبهم ، لإصلاح هذا الفهم العقلائی العرفی وتتمیمه علی حسب القواعد الفنّیة الصناعیة ؛ وإن وقعوا فی حیص وبیص .
إن قلت : إنّ من البعید أن یکون الارتکاز العرفی لأجل المناسبة بین الشرط والجزاء ، بل هو لأجل أنّ مقایسة التشریع بالتکوین أورثت هذا الارتکاز ؛ لأنّ العلل الخارجیة بمرأی ومسمع منهم ، فهم یرون أنّ کلّ علّة تؤثّر أثراً غیر ما تؤثّره الاُخری ، فأورث هذا ارتکازاً لهم فی باب التشریع ؛ بحیث انقدح هذا الأمر فی أذهانهم عند تعدّد العلل والأسباب الشرعیة .
قلت : إنّا وإن أبطلنا المقایسة ، ومقتضاه عدم صحّة هذا الارتکاز العرفی ، إلاّ أنّه حیث أورث ظهوراً عرفیاً للکلام فلابدّ وأن یتبع؛ لأنّ الظهور هو المتبع فی أمثال المقام، ولا ینظر إلی منشأ حصوله ، وإلّا لأوجب الإشکال فی کثیر من الظهورات، فتدبّر.
والحاصل : أنّه لو عرضت قضیة شرطیة علی العرف والعقلاء ، یرون أنّ بین متعلّق الجزاء والشرط نحو تناسب وارتباط ، ولأجله أوجب الشارع الجزاء عند وجود الشرط ، وإلاّ یرون الإیجاب جزافاً ، فأمر الشارع کاشف عن وجود المناسبة
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 268 الواقعیة بین الشرط والجزاء ، فالشرط لمتعلّق الإیجاب ، لا الإیجاب نفسه ، فإذا قیل : «إذا نمت فتوضّأ» فالمتبادر عندهم أنّ بین النوم والوضوء مناسبة ، لا بینه وبین إیجاب الوضوء ، وکذا المتبادر من قوله : «إن بلت فتوضّأ» أنّ بین البول والوضوء مناسبة ، فإذا تعدّد الشرط فی مورد فیرون تعدّد الجزاء ، ولا ینقدح فی ذهنهم التعارض بین إطلاق الجزاء وظهور الشرطیة فی التعدّد ، بل یحکمون بالتعدّد من غیر التفات إلی إطلاق الجزاء ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 269