المبحث الأوّل فـی ماهیتهمـا
عرّفوا المطلق : «بأنّه ما دلّ علی شائع فی جنسه ، والمقیّد : بخلافه» وهذا التعریف وإن کان مشهوراً بینهم ، إلاّ أنّه أورد علیه تارة : بعدم الاطّراد ، واُخری : بعدم الانعکاس .
ولیعلم : أنّ المهمّ فی المقام التنبیه علی أنّ ظاهر الموصول فی التعریف ـ کما صرّح به بعضهم ـ هو اللفظ ، فالإطلاق والتقیید من أوصاف اللفظ ، مع أنّ المطلق أو المقیّد المبحوث عنهما فی الاُصول المنتجین فی الفقه ، غیر مرتبطین بباب الألفاظ ، بل غیر مرتبطین بالمعانی الأفرادیة ؛ بحیث یکون هناک لفظ موضوع لمعنی مطلق ، أو معنی مقیّد ، کما کان للعموم والخصوص ألفاظ کذلک ، کلفظة «الجمیع» أو «الکلّ» أو «البعض» ونحو ذلک ؛ وذلک لأنّ المراد بالمطلق هو الشیء المأخوذ موضوعاً للحکم ؛ من دون تقییده بقید أو شرط ، مع کون المولی بصدد بیان جمیع ما له دخل فی موضوعیته للحکم ؛ سواء کان الموضوع کلّیاً ، أو جزئیاً حقیقیاً ، أو ماهیة مقیّدة بقید ، فیقال : إنّ ما جعله المولی موضوعاً لحکمه لو لم یکن تمام الموضوع لحکمه ، لکان
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 513 علیه بیان ما له دخل فیه ، وإلاّ لأخلّ بغرضه ، فاستفادة الإطلاق وکذا مقابله ، أجنبیة عن حریم اللفظ ، بل إنّما تکون من دلالة العقل فی مقام الاحتجاج ، نظیر الدلالة الالتزامیة والدلالة الطبعیة الخارجتین عن الدلالة اللفظیة ؛ وإن لم یکن المقام من ذلک الباب .
وبعبارة أوضح : موضوع البحث فی الإطلاق والتقیید ، هو ملاحظة موضوعیة أمر للحکم ؛ فتارة : یکون الشیء بلا قید ـ موضوعاً ، واُخری : مع القید ، وأمّا قبل ترتّب الحکم علی الموضوع ، فلا إطلاق هنا ولا تقیید ، بل غایة ما هناک هی لفظ دالّ علی معناه ، مثلاً لفظة «الرقبة» لوخلّیت وطبعها ، لا تدلّ إلاّ علی نفس معناها ، ولا تکون مطلقة ، ولا مقیّدة ، ولکن بعد جعلها موضوعاً لوجوب العتق مثلاً ، یستفاد منها الإطلاق ، لکن لا من تلک اللفظة ، بل من فعله بلحاظ ترتیب الحکم علی نفس الطبیعة بلا إضافة شیء آخر شطراً أو شرطاً ، مع کونه بصدد بیان ما له دخل فیه ، وکان عالماً متوجّهاً .
وبالجملة : الداعی لتعلّق الحکم بموضوع ، هو اشتماله علی المصلحة ، ومعلوم أنّها تترتّب تارة : علی نفس الطبیعة ، واُخری : علی الطبیعة المقیّدة بقید ، فیصیر الموضوع ـ مع قطع النظر عن اللفظ ـ تارة : مطلقاً ، واُخری : مقیّداً .
وحیث إنّه لم یکن الإطلاق مدلولاً لفظیاً ، فیمکن استفادته عند فقد اللفظ ، کالإشارة ، فإنّه لو اُفهم بها أنّ الحکم مجعول علی موضوع خاصّ ، یحکم بعدم دخالة شیء آخر فی موضوعیته للحکم ببرکة أصالة الإطلاق .
إذا أحطت خبراً بما ذکرنا ، فینقدح لک ما فی کلام المحقّق النائینی قدس سره حیث قال : «إنّ الإطلاق والتقیید کما یردان علی المفاهیم الأفرادیة ، کذلک یردان علی المعانی المرکّبة والجمل الترکیبیة ، کالعقود والإیقاعات ، ومحلّ الکلام فی مبحث المطلق
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 514 والمقیّد ، إنّما هو فی المعانی الأفرادیة ، دون المرکّبة» .
توضیح الضعف ما عرفت : من أنّ الإطلاق والتقیید إنّما یکونان بلحاظ موضوعیتهما للحکم ، والمفرد کما لا تقیید فیه ، لا إطلاق له .
فإذا ظهر لک خروج وصف الإطلاق والتقیید عن حریم دلالة اللفظ ، یتضح لک خروج أقسامه عن حریم اللفظ أیضاً ، کالأحوالی ، والبدلی ، والشمولی ؛ لو تصوّرت تلک الأقسام فیه . ومن هنا صحّ الإطلاق فی المعنی الکلّی ، والشخصی ، والمعنی الاسمی ، والحرفی ، بل فی المادّة ، والهیئة ، والمتعلّق ، مثلاً الشکّ فی قوله : «أعتق رقبة» تارة : یکون من جهة موضوع الحکم ؛ وأنّ الرقبة تمام الموضوع للحکم ، أو جزء لذلک ، واُخری : من جهة المادّة ؛ أی المتعلّق ، وأنّها واجبة مطلقاً ، أو مع کیفیة خاصّة ، وثالثة : فی الهیئة المتعلّقة بالمادّة ؛ أی الوجوب ، ورابعة : فی متعلّق الحکم ، ویتمسّک بأصالة الإطلاق فی جمیع تلک الجهات ؛ لو اُحرز کون المولی فی مقام بیان جمیع ما له دخل فی الحکم .
وتوهّم : أنّ المعنی الحرفی حیث إنّه غیر قابل للتقیید ، فغیر قابل للإطلاق ، فلا یکون المعنی الحرفی مصبّاً للإطلاق .
مدفوع : لعدم ارتباط الإطلاق بمعنی اللفظ ؛ حتّی یقال بلزوم استقلال ذلک المعنی . مع أنّه قد تحقّق منّا جواز تقیید المعنی الأدوی الحرفی ، فلاحظ .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 515