حکم تعلّق النهی بالوصف
وأمّا الوصف فهو علی قسمین : وصف لازم ، ووصف غیر لازم ، والمراد بالوصف اللازم ، هو ما لا یمکن انفکاکه عن موصوفه فی هذا الموضوع ، کالجهریة فی هذه القراءة ، لا ما لا یمکن الانفکاک عن موصوفه أصلاً فی جمیع الحالات ؛ لامتناع تعلّق الأمر بشیء والنهی عن لازمه غیر المنفکّ عنه ، والمراد بالوصف غیر اللازم ما یقابله .
وکیف کان : فقد وقع الوصف اللازم معرکة للآراء ، فقال المحقّق الأصفهانی قدس سره ما حاصله : لا ریب فی أنّ الجهر والإخفات ، شدّة وضعف فی الکیف المسموع ، فإذن إمّا نقول بالتشکیک فی الماهیات والجواهر ، کما کان فی الأعراض ، أم لا ، فإن قلنا بوقوع التشکیک فی الذاتیات ، وقلنا بأنّ المراتب أنواع متباینة ، فالنهی المتعلّق بالإجهار مثلاً ، متعلّق بالماهیة النوعیة ؛ بناءً علی اتحاد الجنس والفصل فی الوجود ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 192 کما هو التحقیق ؛ لأنّ شدّة الشیء فی الوجود والخارج ، لیست إلاّ نفس الشیء ، فالنهی المتعلّق بأحدهما عین الآخر .
وأمّا لو قلنا بأنّ الجنس والفصل فی الخارج متعدّدان ، والترکیب بینهما انضمامی ، فالنهی المتعلّق بالإجهار لیس نهیاً عن العبادة ؛ وهی القراءة نفسها ، بل عمّا ینضمّ إلیها فی الوجود ، ولیس الکلام فی عدم سرایة الحرمة ، بل فی دخوله فی محلّ النزاع ؛ وهو النهی عن العبادة .
نعم ، التحقیق کون النهی متعلّقاً بالعبادة ؛ لأنّ الأعراض بسائط ، ولا تعدّد لجنسها وفصلها فی الوجود ، وإنّما یتمّ ذلک فی الأنواع الجوهریة .
بل التحقیق : أنّ الشدّة والضعف دائماً فی الوجود ، لا فی الماهیة ، وحیث إنّ الأعراض والکیفیات بسائط خارجیة ، ووجود الشدّة فی البیاض مثلاً إنّما هو فی ذاته ونفسه ، لا شیء آخر ، فالإجهار وأصل القراءة لم یکونا فی الخارج کالوصف وموصوفه ، بل هویة خارجیة له عرض عریض ؛ مع الشدید شدید ، ومع الضعیف ضعیف ، فالنهی عن الإجهار نهی عن القراءة .
نعم ، لو قلنا بأنّ الشدّة والضعف عارضان للوجود أو الماهیة ، فیمکن أن یقال : إنّ النهی عن أحدهما غیر الآخر ، ولکنّه خلاف التحقیق .
فتحصّل : أنّه علی أیّ تقدیر یکون النهی عن الإجهار ، نهیاً عن القراءة ؛ سواء قلنا بأنّ الشدّة والضعف فی الماهیات ، أو فی الوجود ، وسواء قلنا بأنّ الشدّة والضعف نوعان ، أو نوع واحد ؛ لأنّ الشدّة فی البیاض مثلاً شدّة فی نفس البیاض ، فکیف یکون أمراً آخر وراء البیاض قائماً به؟! انتهی کلامه مع توضیح .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 193 وفیه أوّلاً : أنّ الکلام تارة : فی أنّ النهی المتعلّق بشیء ، هل هو نهی عن الشیء الآخر ، أم لا؟ واُخری : فی أنّ المقرّب هل یکون مبعّداً وبالعکس ، أم لا؟ والکلام هنا فی الأمر الأوّل لا الثانی . ولیته قدس سره ذکر هذا الکلام فی مسألة کون شیء واحد مقرّباً ومبعّداً ؛ وذلک لأنّا ذکرنا أنّ الأوامر والنواهی لا تتعلّق بالخارج ، بل تتعلّق بالعناوین ، والخارج ظرف السقوط لا الثبوت ، فلو کان هناک عنوانان متغایران مفهوماً ـ وإن اتحدا خارجاً ـ یصحّ تعلّق الأمر بأحدهما ، والنهی عن الآخر ، ولا یلزم من مجرّد اتحادهما خارجاً سرایة الحکم المتعلّق بأحدهما إلی الآخر .
فحینئذٍ نقول : إنّ لنا عنوانین : «عنوان القراءة» أو «الصلاة مع القراءة» وعنوان «الإجهار بها فی الصلاة» وکلّ منهما غیر الآخر مفهوماً ، ومن الممکن أن تکون القراءة فی الصلاة محبوبةً ، ومع ذلک یکون الجهر بها فی الصلاة مبغوضاً ؛ فیأمر بأحدهما ، وینهی عن الآخر ؛ وإن اتحدا خارجاً ، فحدیث الاتحاد الخارجی لا یهمّ فیما هو المهمّ فی المقام ؛ وهو عدم سرایة الحکم المتعلّق بأحدهما إلی الآخر .
وتوهّم : أنّ البسیط الخارجی لا یعقل أن تنطبق علیه عناوین کثیرة ، مدفوع بالنقض بالواجب تعالی وبغیره من البسائط ؛ فإنّه تعالی مع کونه بسیطاً فی غایة البساطة ، تنطبق علیه عناوین کثیرة .
وبالجملـة : الأمـر تعلّق بعنوان «القراءة» أو «الصلاة مـع القراءة» والنهی تعـلّق بعنـوان «الإجهـار بالقـراءة» وهمـا عنوانان متغایـران وإن اتحـدا خارجـاً ، ولا یکاد یسری النهی المتعلّق بأحدهما إلی الآخر ، ولا یلزم من مبغوضیة أحدهما مبغوضیة الآخر .
وثانیاً : أنّ الجهر والإخفات من أقسام الصوت ، والصوت من مقولة الکیف المسموع ، ولکن اتّکاءه علی مقاطع الفم لیس صوتاً ، فلیس من المقولة ، بل من
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 194 الاُمور الاعتباریة المجعولة ، لا من المقولات والحقائق ، وإلاّ لما کانت دلالتها مرهونة بالوضع ، ولما کان مرکّباً ؛ لکون المقولات بسائط ، مع أنّ التالی بقسمیه باطل ، فیکشف بطلان المقدّم .
والحاصل : أنّ الوجدان أصدق شاهد علی صحّة التفکیک بین أصل الکلام ، وتکیّفه بالجهر والإخفات ، فیمکن أن یکون أصل الکلام محبوباً ، ولکنّ الإجهار أو الإخفات به مبغوضاً ، فمتعلّق أحدهما غیر الآخر وإن اتحدا خارجاً ، فإذا تعلّق النهی بنفس الإجهار ، وکانت إضافته إلی القراءة من قبیل زیادة الحدّ علی المحدود ، فیکون الإجهار بالقراءة منهیاً عنه مبغوضاً ، مع أنّ أصل القراءة محبوب ومأمور به ، فلا یکاد یسری الحکم المتعلّق بأحدهما إلی الآخر وإن اتحدا خارجاً .
إذا تمهّد لک ما ذکرنا فی الوصف اللازم وأنّ الحدیث فیه من قبیل اجتماع الأمر والنهی ، یسهل علیک الأمر فی الوصف غیر اللازم ، فلاحظ . هذا کلّه فی الجزء والوصف بقسمیه .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 195