المقام الثانی فی أنّ الغایة داخلة فی المغیّا أم لا
اختلفوا فی دخول الغایة فی المغیّا وعدمه علی أقوال ، ثالثها : التفصیل بین ما إذا کانت الغایة غایة للموضوع ، وبین ما إذا کانت للحکم ، فیحکم بالدخول فی الأوّل ، دون الثانی .
ولا یخفی : أنّ عقد البحث بنحو ینفع الاُصولی ویستنتج منه فی الفقه ، هو أن یقال : إنّه إذا کان مدخول أحد الأدوات الدالّة علی الغایة ـ کـ «إلی» و«حتّی» ـ ذا أجزاء أو امتداد ، فهل یکون داخلاً فی المغیّا ، أم لا؟
مثال الأوّل : قوله : «سر من البصرة إلی الکوفة» لأنّ للکوفة أجزاء .
ومثال الثانی : قوله تعالی :« فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأیْدِیَکُمْ إلَی الْمَرَافِقِ » ؛ بناءً علی أنّ المراد من «المرفق» محلّ وفق العظمین ومجتمعهما ؛ لما فیه من المرفق ، فیکون للمرفق امتداد .
فعلی تقدیر دخول الغایة فی المغیّا یجب سیر الکوفة فی المثال الأوّل ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 303 وغسل المرفق فی المثال الثانی ، وعلی تقدیر عدم الدخول لا یجب سیر الکوفة ، ولا غسل المرفق .
وأمّا إذا لم یکن مدخول الأداة ذا أجزاء أو امتداد ـ کما إذا کان المراد من «المرفق» فی الآیة المبارکة هو الفصل المشترک بین العظمین ؛ أی نفس الاتصال ، فلا یکون له امتداد ـ فلا ینفع الاُصولی ، ولا یستنتج منه نتیجة مطلوبة ؛ لأنّه لا فرق فی ذلک بین دخول الغایة فی المغیّا وعدمه .
وإن شئت مثالاً آخر لما یکون مدخول الأداة ذا امتداد ، فلاحظ ذیل الآیة المبارکة ؛ وهو قوله تعالی :« وامْسَحُوا بِرُؤُوسِکُمْ وَأرْجُلَکُمْ إلَی الْکَعْبَیْنِ » .
وبالجملة : البحث کذلک فی دخول الغایة فی المغیّا وعدمه ، هو اللائق بالاُصولی ، ویستنتج منه فی الفقه ، لا ابتناء المسألة ـ کما أفاده شیخنا العلاّمة الحائری وفاقاً لصاحب «الفصول» قدس سره ـ علی نهایة الجسم بالمعنی المبحوث عنه فی الفلسفة ، فقال : «هذا مبنیّ علی بطلان الجزء الغیر القابل للتقسیم وصحّته ، فإن قلنا بالثانی فالغایة داخلة فی المغیّا یقیناً ، وإن قلنا بالأوّل فالغایة غیر داخلة فی المغیّا ؛ لأنّها حینئذٍ عبارة عن النقطة الموهومة التی لا وجود لها فی الخارج» .
وذلک لأنّ البحث کذلک یکون فلسفیاً غیر مرتبط بالمسألة الاُصولیة العرفیة .
وقد أشرنا آنفاً إلی أنّ اعتبار کون مدخول أداة الغایة ذا أجزاء أو امتداد ، بلحاظ أنّه لا یکاد ینفع الاُصولی ولا یکاد یستنتج منه فی الفقه فیما لیس کذلک ، إلاّ أنّه لا مانع من عقد البحث بنحو یعمّ ما لم یکن قابلاً للتجزئة والامتداد ، غایة
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 304 الأمر لا تظهر الثمرة للبحث إلاّ فیما کان قابلاً لهما ، ولیس ذلک بعزیز فی المسائل الاُصولیة ، فتراهم یعنونون بعض المسائل بنحو عامّ ، ولا ینتفع منها إلاّ علی بعض التقادیر ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 305