إشکال اجتماع المصلحة والمفسدة
وأمّا قضیّة المصلحة والمفسدة ، فغایة ما یقتضیه مذهب العدلیة هی تبعیة الأحکام ومبادئها ـ أی الإرادة والکراهة ـ للمصالح والمفاسد ، وإلاّ یکن جعل الأحکام جزافیاً ، ومن المعلوم أنّ الصلاح والفساد من الاُمور الاعتباریة الراجعة إلی حفظ المجتمع البشری ؛ من دون أن یوجب الصلاح أو الفساد فی شیء ، صفةً حقیقیةً فیه ، کما یوجبه البیاض فی الجسم مثلاً ، فشرب الخمر من الاُمور الحقیقیة ، ولم تترتّب علیه صفة حقیقیة قائمة به بعنوان المفسدة ، بل لأجل أنّ للخمر شأناً لو شربت لخمّرت العقل ، وأوجبت هتکاً للأعراض والنفوس ، ومفاسد اُخر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 90 وکذا ترتّب الصلاح علی الوفاء بالعقد ، لیس معناه أنّ الوفاء بالعقد الذی هو أمر عقلائی ، قامت به صفة حقیقیة ، بل معناه أنّ النظام الاجتماعی یتوقّف علی اُمور ، منها الوفاء بالعقد .
وکذا معراجیة الصلاة للمؤمن ـ علی تقدیر ثبوت روایتها ـ لم تکن صفة حقیقیة قائمة بما یکون أوّله التکبیر ، وآخره التسلیم .
وکذا التصرّف فی مال الغیر بغیر إذنه ، ظلم قبیح له مفسدة ؛ لأنّ ذلک موجب للهرج والمرج والفساد من غیر أن تکون هذه العناوین أوصافاً خارجیة قائمة بالموضوع .
والحاصل : أنّ المصالح والمفاسد فی الأشیاء ، من الوجوه والاعتبارات العقلائیة ، لا من الأعراض والصفات الخارجیة القائمة فی الأشیاء ، فبعد ما عرفت من إمکان أن یکون شیء واحد مبغوضاً من جهة ومحبوباً من جهة اُخری ، لا یبقی مجال للاستشکال فی أنّه کیف یکون شیء واحد ذا صلاح وفساد؟! لأنّ معنی کون شیء محبوباً فی الحقیقة هو کونه ذا صلاح ، وکونه مبغوضاً کونه ذا فساد ، وعلیه فالحرکة الخارجیة بما أنّها خضوع لله تعالی والرکوع له بما أنّه قیام بأمر العبودیة وشکر لبعض آلائه وقیام بأداء بعض حقّ العبودیة ، ذات صلاح ومحبوبة ، وهی بما أنّها غصب أو تصرّف فی مال الغیر بغیر رضاه ، ذات مفسدة ومبغوضة .
وبالجملة : یصدق علی الحرکة الخارجیة عنوانان صدقاً حقیقیاً ؛ ضرورة أنّها بما أنّها رکوع لله تعالی ، حسنة وذات صلاح موجبة لأداء بعض حقوق العبودیة ، ولکنّها بما أنّها تصرّف فی مال الغیر بغیر رضاه ، قبیحة لا حسن فیها أصلاً .
فمن مَسّ رأس الیتیم فی الدار المغصوبة ، من جهة أنّه رحمة به حسن ذو مصلحة ، ومن جهة أنّه تصرّف فی مال الغیر بغیر رضاه ، قبیح ذو مفسدة ؛ من غیر أن یکون ذلک من اجتماع الضدّین بالضرورة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 91