المطلب التاسع : فی عدم مجعولیة الصحّة والفساد
هل الصحّة والفساد مجعولان مطلقاً ، أو لا کذلک ، أو یفصّل بین المعاملات ، فیقال بمجعولیتهما فیها ، وبین غیرها فیقال بعدم مجعولیتهما ، أو یفصّل بین الظاهری منهما والواقعی ؛ بمجعولیة الظاهری منهما دون الواقعی؟
وجوه ، بل أقوال ، یظهر الحال فیها بعد ذکر أمرین :
الأمر الأوّل : فی أنّ قول الفقیه : «إنّ الصحیح ما یوجب سقوط الإعادة والقضاء ، والفساد ما لا یوجبهما» وقول المتکلّم : «إنّ الصحیح ما یوافق الأمر» ، أو «یوافق الشریعة ، والفساد ما لا یوافق» أو «یخالف الشریعة» لیس اختلافاً فی حقیقة معنی الصحّة والفساد ، بل اختلافهم ـ کما أشرنا ـ فی التعبیر بلحاظ ما هو المهمّ فی نظرهما وتعریف باللازم ، فالصحّة والفساد عند الجمیع بمعنی واحد ، وهما فی الاُمور التکوینیة ـ کما أشرنا ـ مطابقة الفرد للمزاج المتوقّع من الطبیعة وعدمها ، وفی غیرها وصف ینتزع من مطابقة الفرد المأتی به للمأمور به وعدمها ، فإن طابق الفرد المأتی به للمأمور به بحسب حاله ینتزع عنوان «الصحّة» وإلاّ فینتزع عنوان «الفساد» هذا فی العبادات .
وکذا الحال فی المعاملات ؛ لأنّ المعاملة الصحیحة هی التی اُتی بها خارجاً
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 150 مطابقاً لما أمضاه الشارع واعتبره ویترتّب علیها الأثر المترقّب منها ، والمعاملة الفاسدة هی التی اُتی بها خارجاً ولم تکن مطابقة لما أمضاه الشارع .
فظهر : أنّه لیس بین الفقیه والمتکلّم اختلاف حقیقی فی معنی «الصحّة» و«الفساد» بل هما فی العبادات والمعاملات بمعنی واحد ؛ وهی مطابقة المأتی بها للماهیة المجعولة أو الممضاة .
الأمر الثانی : أنّ الصحّة والفساد لیسا من أوصاف الماهیة الکلّیة التی اخترعها الشارع أو أمضاها ؛ معاملة کانت أو عبادة ؛ بداهة أنّ ما اخترعه الشارع أو أمضاه لا یکاد یتصف بالصحّة والفساد قبل تحقّقه فی الخارج ، ولو قیل ذلک فإنّما هو علی سبیل المسامحة والمجاز ، بل أشرنا إلی أنّهما من صفات الفرد والمصداق الخارجی ؛ سواء کان مصداقاً للعبادة أو المعاملة المجعولة عند الشارع تأسیساً ، أو إمضاءً ، وسواء کان مأموراً به بالأمر الواقعی ، أو الأمر الظاهری ، فإن طابق المصداق والموجود الخارجی للماهیة المقرّرة فهو صحیح ، وإلاّ ففاسد .
إذا تمهّد لک ما ذکرنا ، سهل علیک التفطّن إلی عدم معقولیة جعلهما ؛ لأنّهما أمران عقلیان منتزعان من مطابقة المأتی به خارجاً للمخترع أو المأمور به ، فإن أتی المکلّف بجمیع ما اعتبره الشارع جزءً وشرطاً ، فمحال أن یجعل الفساد هناک ، وهو واضح ، کما أنّه یمتنع جعل الصحّة أیضاً ؛ وذلک لأنّ القدرة لابدّ وأن تتعلّق بأحد طرفی المقدور ، فلابدّ وأن یکون فی مورد یمکن أن یتمشّی منه الجعل وعدمه ، فجعل الصحّة عند انتزاع العقل ذلک ، یکون من باب جعل ما یکون حاصلاً ، کما أنّ جعل الفساد عند ذلک غیر معقول .
وبالجملة : الأمر یدور دائماً بین امتناع انتزاع الصحّة ؛ لو لم یکن المأتی به مطابقاً للمأمور به ، وبین امتناع انتزاع الفساد ؛ لو کان المأتی به مطابقاً للمأمور به ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 151 فلا یکاد یتطرّق عنـد ذلک جعل ، کما أنّـه لا یکاد یتعلّق الجعـل التکوینـی مثلاً بکون الإنسان واجب الإنسانیـة ، واجب الناطقیـة ، ممتنع الفرسیـة والحجریـة ونحوها ؛ لأنّ الجعـل إنّما یتمشّی فی مورد لا تکون فیـه إحدی الضـرورتین : الوجوب ، أو الامتناع ، وهذا الأمر کذلک ؛ حیث إنّه فی صورة مطابقة المأتی به للمأمور به ، یکون انتزاع الصحّة حتمیاً ، کما أنّه فی صورة عدم المطابقة یکون انتزاع الفساد کذلک .
نعم ، للشارع والمعتبر تضییق الماهیة وتوسعتها . ولا فرق فیما ذکرنا بین العبادات والمعاملات ، والاُمور الواقعیة والظاهریة ، کما لا یخفی .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 152