المطلب الثانی : فی عدم کون الخروج من الدار المغصوبة محبوباً ومطلوباً
وأمّا مطلبه الثانی ، فقد ذکره قدس سره فی آخر کلامه قائلاً : «إنّ الکون الغصبی المتحقّق فی ضمن الخروج من الدار الغصبیة ، لا یکون منهیاً عنه بوجه من الوجوه ؛
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 124 وفی زمان من الأزمنة ، بل هو واجب فی جمیع الحالات ؛ لوجوب ردّ المغصوب إلی صاحبه بالضرورة من الدین . وکونه هو الذی أوقع نفسه فی هذا التصرّف الغصبی بسوء اختیاره ـ حیث دخل فی الدار عن اختیار ـ لا یوجب کون الخروج حال وقوعه مبغوضاً ، کمن شرب دواءً مهلکاً وانحصر حفظ نفسه بشرب الخمر ، فإنّ شرب الخمر فی هذا الحال یکون واجباً عقلاً وشرعاً ؛ لتوقّف حفظ النفس علیه وإن کان بسوء اختیاره أوقع نفسه فی شرب الخمر لمکان شربه الدواء المهلک ، وحیث إنّ شرب الخمر من الاُمور التی لم یرد الشارع وقوعها فی الخارج لما فیه من المفسدة فیعاقب الشخص بشرب الدواء المفضی لشرب الخمر .
ولیس ذلک کشرب المرأة الدواء الموجب للحیض المستلزم لعدم أمرها بالصلاة ، حیث إنّه یمکن القول بجواز شربها للدواء ؛ إذ لم یعلم من مذاق الشارع مبغوضیة إیقاع الشخص نفسه فی موضوع یوجب عدم تکلیفه بالصلاة ، فلا یعاقب بشرب الدواء .
ومن قبیل الأوّل الدخول فی الدار الغصبیة ؛ لأنّ إدخال الشخص نفسه فی موضوع یوجب تکلیفه بالتصرّف فی مال الغیر ، مبغوض للشارع ، فالدخول فی الدار الغصبیة یکون مبغوضاً ومحرّماً من جهتین : من جهة کونه فی نفسه تصرّفاً فی ملک الغیر ، ومن جهة استلزامه للتصرّف الخروجی ، بخلاف شرب الدواء الموجب لشرب الخمر ؛ إذا کان الدواء فی حدّ نفسه ممّا یجوز شربه ، فإنّه محرّم من جهة استلزامه شرب الخمر ، ولیس له جهة اُخری ؛ لکون الدواء فی حدّ نفسه ممّا یجوز شربه .
والحاصل : أنّه ینبغی التکلّم فی الدخول من جهة أنّ حرمته تکون من جهتین ، لا فی الخروج ؛ فإنّ الخروج واجب علی کلّ حال» .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 125 ثمّ ورد فی «أنّ وجوب الخروج ، لیس من باب حکم العقل باختیار أقلّ المحذورین ؛ لأنّ مناط حکم العقل بلزوم الخروج عن ملک الغیر فی صورة ما إذا کان الدخول فیه بالاختیار وفی صورة ما إذا کان الدخول فیه بلا اختیار ، أمر واحد ؛ وهو لزوم فراغ ملک الغیر وردّه إلی صاحبه . . . » .
إلی أن قال : «إنّ مناط حکم العقل معلوم عندنا مطّرد فی جمیع أقسام الغصب من المنقول وغیره ؛ وأنّه فی الجمیع یجب ردّ المغصوب إلی أهله شرعاً وعقلاً ، غایته أنّه فی المنقول یکون الردّ بالقبض ، وفی غیره یکون برفع الید والتخلیة .
فظهر : أنّه لا محیص عن القول بأنّ الخروج عن الدار الغصبیة ـ فیما إذا توسّطها بالاختیار ـ مأمور به لیس إلاّ ، ولا یجری علیه حکم المعصیة» .
وفیه أوّلاً : أنّه لو کان الخروج مطلوباً ومحبوباً من أوّل الأمر وعلی کلّ حال ، فکیف یکون السبب المفضی لذلک مبغوضاً؟! فلابدّ وأن لا یکون الدخول مبغوضاً من جهة التصرّف الخروجی . بل لازم ما ذکره قدس سره هو کون الدخول مطلوباً ومحبوباً ؛ لکونه مستلزماً للمطلوب ، وهو کما تری .
وثانیاً : لو أغمضنا عن ذلک وقلنا : إنّ الدخول مبغوض دون الخروج ، فنقول فی مثال شرب الدواء المباح : هل شرب الخمر عند ذلک مبغوض ، أم لا؟ فإن لم یکن مبغوضاً فلا وجه لصیرورة الدواء المباح مبغوضاً ومباحاً ، وکذا إذا کان شرب الخمر مبغوضاً ؛ لأنّ شرب الدواء المباح لم یکن مقدّمة وجودیة ، ولا مستلزماً له ، نعم صار شرب الدواء الکذائی ، سبباً لتکلیف الشارع بحفظ النفس من الهلکة ، فتدبّر .
وبالجملة : غایة ما اقتضاه شرب الدواء ، هو إیجاب الشارع حفظ النفس .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 126 وثالثاً : لو سلّم کون شـرب الدواء مقدّمـة وجودیـة أو مستلزمـاً لشـرب الخمر ، فقد أشرنا إلی عدم کون مقدّمة الحرام حراماً ولو قلنا بوجوب مقدّمة الواجب ، فراجع .
مضافاً إلی ما عرفت من أنّ شرب الخمر عند ذلک ، لازم یحکم به العقل لحفظ نفسه من الهلکة ، إلاّ أنّه مع ذلک لا یکون معذوراً کما یکون معذوراً إذا لم یکن ذلک بسوء اختیاره ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 127