الأمر التاسع فی تحدید العناوین التی یجری النزاع فیها وشروطها
لا کلام فی عدم النزاع فی مسألة الاجتماع فیما إذا کان العنوانان متباینین أو متساویین :
أمّا الأوّل : فلأنّه لا ینبغی الإشکال فی جواز تعلّق الأمر بعنوان والنهی بعنوان آخر یتباین معه ؛ بحیث لا یکاد یتصادقان علی موضوع واحد ؛ وذلک لما عرفت من أنّ محطّ النزاع ، إنّما هو فی جواز تعلّق حکمین فعلیین علی عنوانین متصادقین علی موضوع واحد ، فإن تباین العنوانان فهو خارج عن محطّ النزاع ؛ لعدم تصادقهما علی موضوع واحد .
وأمّا الثانی : فلا ریب فی عدم جواز تعلّق الأمر بعنوان والنهی عن عنوان آخر متصادقین فی جمیع الأفراد والمصادیق .
وأمّا إذا کان بین العنوانین عموم مطلق، فهو علی قسمین :
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 64 أوّلهما : ما یکون العموم والخصوص بلحاظ المورد لا المفهوم ؛ بأن لم یؤخذ مفهوم الأعمّ فی الأخصّ ، کعنوان «العالم» وعنوان «من فی المدرسة» إذا فرض أنّ کلّ من فی المدرسة عالم .
ثانیهما : ما یکون العموم والخصوص بحسب المفهوم ؛ بأن اُخذ مفهوم العامّ فی الخاصّ ، وذلک مثل المطلق والمقیّد ، کعنوان «العالم» وعنوان «العالم الفاسق» .
ففی القسم الأوّل یجری النزاع کما یجری فی العامّین من وجه ؛ لأنّ کلّ واحد منهما عنوان مستقلّ مغایر للآخر یتصادقان علی موضوع واحد ، فکما صحّ النزاع فیما إذا کان بین العنوانین عموم من وجه ، کقولک : «صلّ» و«لا تغصب» فکذلک یصحّ فیما إذا کان بین العنوانین عموم مطلق من حیث المورد ، کقولک : «أکرم العالم» و«لا تکرم من فی المدرسة» .
وبالجملة : حیث یکون العنوانان مختلفین وهما متعلقا الأمر والنهی ، فیدخلان فی محطّ النزاع ، ومجرّد الاتحاد فی المصداق لا یضرّ المجوّز ، فتدبّر .
وأمّا القسم الثانی ، فیمکن جریان النزاع فیه إذا لم یتعلّق النهی بالعنوان ، کقولک : «صلّ» و«لا تصلّ فی الحمّام» وفرضنا أنّ النهی لم یتعلّق بحیثیة الصلاتیة ، بل بالتمکّن فی الحمّام ؛ أی تعلّق النهی بجعل الصلاة فی الحمّام . وهذا نظیر ما إذا کنت عطشان تحبّ شرب الماء ، ولکن تکره کونه فی جراب النورة ، فلم تکره شرب الماء بل تحبّه ، وإنّما المکروه کون الماء فی جراب النورة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 65 وبالجملة : یصحّ النزاع فی هذا القسم من العامّ والخاصّ وإن کان مفهوم العامّ ، مأخوذاً فی الخاصّ .
وأمّا إذا تعلّق النهی بالعنوان ؛ أی أنّ العامّ والخاصّ بلحاظ المفهوم ، أو المطلق والمقیّد ، فهل یصحّ النزاع فیه ، أم لا؟ وجهان ، بل قولان :
یوجّه الجواز : بأنّ عنوان العامّ أو المطلق غیر عنوان الخاصّ والمقیّد ، والأمر تعلّق بنفس الطبیعة ، والنهی تعلّق بالمقیّد ، فنفس الطبیعة بلا قید لم تکن موضوعاً للحکم فی المقیّد، وقد کانت موضوعاً فی المطلق . وحدیث الأمر الضمنی لا أساس له .
وبالجملة : الحکم فی المقیّد لم یتعلّق بالمطلق مع قیده ، بل بالمقیّد بما هو مقیّد ، ونفس الطبیعة بلا قید لم تکن موضوعاً للحکم فی المقیّد ، وهما عنوانان متغایران متصادقان علی موضوع واحد ، فیجری النزاع .
ویوجّه عدم الجواز : بأنّ الإطلاق فی المطلق لیس قیداً أو جزء للموضوع ، بل الموضوع فیه نفس الطبیعة التی هی متعلّق الأمر .
وبعبارة اُخری : إنّ نفس الطبیعة مرسلة إذا اُخذت موضوعاً للحکم ، والمقیّد هو نفس الطبیعة بعینها مع القید ، فموضوع الأمر والنهی شیء واحد ، غایة الأمر یکون لأحدهما إضافة شیء آخر ، فلا یکونان عنوانین منطبقین علی موضوع واحد ، فلا یجری النزاع .
والمسألة محلّ إشکال وتأمّل وإن کان عدم جریان النزاع فیه أشبه .
فظهر ممّا ذکر : أنّ المحقّقین القمّی والنائینی وغیرهما القائلین بخروج العامّ
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 66 والخاصّ المطلقین عن محطّ النزاع مطلقاً ، واقعون فی طرف التفریط ، کما أنّ المحکی عن صاحب «الفصول» من دخولهما فی محطّ البحث مطلقاً ، واقع فی طرف الإفراط ، وخیر الاُمور أوسطها ، وهو الذی ذکرناه ، فلاحظ وتدبّر .
وأمّا العامّان من وجه ، فهما أیضاً علی قسمین :
فقسم منه : یکون مفهوم أحدهما مأخوذاً فی الآخر ، نحو «صلّ الصبح» و«لا تصلّ فی الدار الغصبیة» .
والقسم الآخر : ما لم یکن کذلک ، کعنوانی «العالم» و«الفاسق» .
أمّا القسم الأوّل ، فیرد فیه الإشکال المتقدّم آنفاً فی العامّ والخاصّ .
وأمّا القسم الثانی ، فالظاهر أنّه لا إشکال فی کونه محلاًّ للنزاع .
ثمّ الظاهر أنّ العامّین من وجه فیما إذا لم یکن مفهوم أحدهما مأخوذاً فی الآخر ، داخلان فی محطّ البحث مطلقاً ؛ سواء کان العنوانان المتعلّقان للأمر والنهی ، من الأفعال الاختیاریة للمکلّف ، کعنوانی «الغصب» و«الصلاة» أو کانا من الموضوعات الخارجة عن اختیار المکلّف ، کعنوانی «العالم» و«الفاسق» وسواء کانا من الأفعال الاختیاریة للمکلّف أوّلاً وبالذات ، کـ «الصلاة» و«الغصب» أیضاً ، أم کانا من الأفعال التولیدیة التی لم تکن کذلک وإن کانا اختیاریین بالعرض وبواسطة أسبابها ومولّداتها کـ «التعظیم» حیث إنّه عنوان یحصل بالقیام عند مجیء الشخص ، وسواء کان تصادق العنوانین علی المصداق الخارجی انضمامیاً أو اتحادیاً .
ولکن خالف المحقّق النائینی قدس سره فی المواقف الثلاثة فی کلام طویل الذیل ، فقال مـا حاصلـه : أنّـه لیس کلّما کانت النسبة بین العنوانین عموماً مـن وجـه ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 67 یکون محلاًّ للبحث ، بل لابدّ وأن تکون النسبة بین نفس الفعلین الصادرین عن المکلّف بإرادة واختیار اللذین تعلّق بهما الأمر والنهی ، کالصلاة والغصب ، لأنّه لو کانت النسبة کذلک بین الموضوعین ـ کما فی «العالم» و«الفاسق» ـ فهو خارج عن محلّ البحث ؛ لأنّ الترکیب فی مثل ذلک اتحادی ، ویکون متعلّق الأمر بعینه هو متعلّق النهی .
ومن هنا یظهر عدم جریان البحث فیما لو کانت النسبة بین عنوانین متولّدین من فعل واحد صادر من المکلّف ، کما لو أکرم العالم المأمور بإکرامه والفاسق المنهی عن إکرامه ، بفعل واحد تولّد منه کلّ من الإکرامین ، کما لو قام بقصد التعظیم لکلّ من العالم والفاسق ، فإنّ تعظیم کلّ منهما وإن اجتمعا بفعل واحد واحد ، وکان اجتماعهما علی وجه الترکیب الانضمامی ؛ بداهة أنّ تعظیم زید العالم غیر تعظیم عمرو الفاسق ، ولا یحمل أحدهما علی الآخر ، ولکن حیث إنّ التعظیمین من المسبّبات التولیدیة التی لم تتعلّق إرادة المکلّف بها أوّلاً وبالذات ـ لکونهما غیر مقدورین له بلا واسطة ـ فلا جرم یکون متعلّق التکلیف هو السبب ، والمفروض أنّه فعل واحد بالحقیقة والهویة ، فیوجب اجتماع الأمر والنهی فی شیء واحد شخصی ، ولابدّ حینئذٍ من إعمال قواعد التعارض ، ولا یکون من مسألة الاجتماع .
وبالجملة : إنّه لابدّ وأن تکون النسبة بین الفعلین الصادرین عن المکلّف أوّلاً وبالذات ، عموماً من وجه ، لا بین الموضوعین ، ولا بین العنوانین المتولّدین من فعل واحد.
بل لا یکفـی مجـرّد ذلک ما لم یکن التـرکیب بیـن الفعلین ترکیبـاً انضمامیاً ، وإلاّ فلو کان الترکیب فیه اتحادیاً ـ کقوله : «اشرب الماء» و«لا تغصب» فإنّ الترکیب فی مـورد الاجتماع من شرب الماء المغصـوب ، یکون علی وجه الاتحاد ؛ حیث إنّ
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 68 الفرد من الماء الذی یشربه ، مصداق لکلّ من الشرب والغصب ـ فلا یجری فیه النزاع .
فروح کلام هذا المحقّق قدس سره وأساسه ، مبنی علی أنّ النزاع إنّما یجری فیما إذا کان الترکیب انضمامیاً ، وإلاّ فلا یجری فیه النزاع .
أقول: إن أراد بذلک بیان أنّ نزاع القوم إنّما هو فیما إذا کان الترکیب انضمامیاً، ففیه : أنّه لیس فی کلامهم من الترکیب الانضمامی أو الاتحادی عین ولا أثر ؛ لأنّ القائل بالجواز یری أنّ الأمر تعلّق بعنوان غیر ما تعلّق به النهی وإنّ اتحدا خارجاً ، کما أنّ القائل بالامتناع یری سرایة أحدهما إلی الآخر ، ویکونان موجودین بإیجاد واحد ، فحدیث ابتناء النزاع علی کون الترکیب انضمامیاً ، غیر سدید ، بل من یری أنّ الترکیب الخارجی بین العنوانین اتحادی ، یمکنه القول بجواز الاجتماع باعتبار أنّ متعلّقات الأحکام ، إنّما هی العناوین الکلّیة ، دون المصادیق الخارجیة .
وإن أراد قدس سره بذلک بیان ما ینبغی أن یکون محطّ النزاع وبیان مختاره فی المسألة ؛ وأنّه کلّما کان الترکیب انضمامیاً یجوز الاجتماع ، وإلاّ فلا ، ففیه ـ مضافاً إلی أنّ الکلام فی المقام فی تحریر محطّ النزاع فی المسألة ، لا بیان المختار فیها ـ أنّه یرد علیه أمران :
فأوّلاً : أنّه ـ کما أشرنا إلیه ـ یصحّ النزاع فیما لو کان الترکیب اتحادیاً ، بل یصحّ القول بالجواز مع ذلک ؛ لأنّ الاتحادیة والانضمامیة فی الترکیب ، إنّما هما فی الخارج الذی هو ظرف السقوط ، وهو غیر مربوط بمقام متعلّقات الأحکام التی هی العناوین الکلّیة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 69 وثانیاً : لو أغمضنا عن ذلک وقلنا بعدم الجواز فیما لو کان الترکیب اتحادیاً ، فهذا لا یوجب أن یکون ذلک خارجاً عن محطّ النزاع ، بل یکون ذلک دلیلاً علی اختیار التفصیل فی المسألة ؛ وهو جواز الاجتماع فیما لو کان الترکیب انضمامیاً ، والامتناع فیما إذا کان الترکیب اتحادیاً ، فتدبّر .
فالمحقّق النائینی قدس سره ـ بعد أن أتعب نفسه الزکیة ـ لم یأتِ بشیء مقنع ینقّح محطّ النزاع .
والذی یمکن أن یکون محطّاً للنزاع : هو العنوانان اللذان تکون النسبة بینهما عموماً من وجه ؛ بحیث لم یؤخذ أحدهما فی الآخر ، فعلی هذا یکون «صلّ» و«لا تغصب» داخلین فی محطّ البحث ، ولیس الترکیب بینهما انضمامیاً ، وهو المثال المعروف الدارج فی کلمات القوم . وقد أشرنا إلی أنّ تجویز هذا المحقّق دخوله فی محطّ النزاع ؛ لأجل ما یری من أنّ الحرکة فی کلّ مقولة عینها ، وهناک حرکات فی الخارج ، وأنّ الترکیب بینهما انضمامی ، وقد عرفت عدم تمامیة ما ذکره ؛ وأنّ المقولة هی التصرّف فی مال الغیر لا الغصب ؛ لما أشرنا من أنّه عبارة عن الاستبداد والاستیلاء علی مال الغیر ، وأنّ الترکیب بین الرکوع والغصب أو التصرّف فی مال الغیر بغیر رضاه ، ترکیب اتحادی ، ومع ذلک تری جواز اجتماع الأمر والنهی ، وعلی مبناه قدس سره لابدّ وأن یلتزم بامتناع الاجتماع فی المثال المعروف ، وتجویزه ذلک إنّما هو لأجل مبنی غیر صحیح ؛ وهو کون الترکیب انضمامیاً ، وإذ قد عرفت فساد المبنی ، فیخرب ما بنی علیه ، فتدبّر .
ولا فرق فیما ذکرنا بین کون متعلّق الأمر والنهی من العناوین التولیدیة أو غیرها ؛ ولو قلنا بأنّ الأمر بالمسبّب أمر بالسبب ، وذلک المأمور به هو التعظیم للعالم ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 70 والمنهیّ عنه هو التعظیم للفاسق ، ومعنی ذلک هو لزوم القیام بحیثیة تعظیم العالم ، وحرمة القیام بحیثیة تعظیم الفاسق ، وهما عنوانان مختلفان موجودان بوجود واحد ؛ یجوز تعلّق الأمر بأحدهما ، والنهی عن الآخر .
هذا مضافاً إلی أنّ إرجاع الأمر بالمسبّب إلی الأمر بالسبب ، لا وجه له بعد کون الدلیل ظاهراً فی تعلّقه بالمسبّب ، والمسبّب مقدور بواسطة السبب ، فیجوز تعلّق الأمر به ، کما یجوز تعلّقه بالسبب ، فتدبّر واغتنم .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 71