المورد الأوّل : فی تفسیر المفهوم الموافق
یتصوّر للمفهوم الموافق أقسام ، ویعبّر عنها بعناوین وإن لم یطلق علی تمامها «المفهوم» أو لا یکون ذلک فی الحقیقة مفهوماً ، ولکن مع ذلک تشترک جمیع الأقسام فی کونها غیر مذکورة فی محلّ النطق ، ولکنّها تفهم من محلّ النطق ، وتوافقه إیجاباً وسلباً .
وهناک الأقسام :
الأوّل : ما یعبّر عنه المتأخّرون بإلغاء الخصوصیة ، مثل قوله : «رجل شکّ بین الثلاث والأربع» وقول زرارة : «أصاب ثوبی دم رعاف» فإنّه لو اُلقیت الجملتان علی العرف ، لما انقدح فی ذهنهم خصوصیة للرجولیة فی البناء علی الأکثر ، ولاخصوصیة لدم زرارة ورعافه وثوبه ، بل یرون أنّ الحکم للشاکّ رجلاً کان أو امرأة فی المثال الأوّل ، ولغیر زرارة من سائر الناس ولأثوابهم ورعافهم فی المثال الثانی .
والسرّ فی ذلک : هو أنّ العرف یری أنّ تمام الموضوع للحکم فی الجملة الاُولی ، هو الشکّ ، وفی الثانیة ذات الدم من غیر المأکول . وأظنّ أنّ هذا القسم فی الحقیقة ، معدود من دلالة المنطوق لا المفهوم ، ولو اُطلق علیه المفهوم فهو علی سبیل المسامحة ، فتدبّر .
الثانی : أن یکون المنطوق معنی کنائیاً ؛ بحیث لا یراد ماجعل موضوعاً للحکم فی ظاهر الدلیل ، کقوله تعالی :«وَلاَتَقُلْ لَهُمَا اُفٍّ» علی احتمال أن تکون کلمة«اُفٍّ» کنایة عن الإیذاء بالضرب والشتم ونحوهما ، وأمّا التلفّظ بکلمة «اُفٍّ» فلا یکون محکوماً بحکم ، کما لا یبعد ، فالمحرّم هو الإیذاء . ونظیره فی الفارسیة :
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 470 (فلانی نمی تواند به سایه فلانی نگاه کند) فإنّه کنایة عن شدّة بغضه له ، وهو واضح .
الثالث : کالصورة السابقة ، ولکنّه اُخذ المنطوق موضوعاً للحکم من جهة کونه أخفّ المصادیق للانتقال إلی سائرها ، کالآیة السابقة علی احتمال أن یکون التلفّظ بکلمة «اُفٍّ» أیضاً محکوماً بالحرمة ، فذکر أخفّ المصادیق فی الآیة المبارکة للانتقال إلی سائرها .
الرابع : أن یکون الحکم المذکور فی محلّ النطق معلّلاً، کقوله: «لا تشرب الخمر؛ لأنّه مسکر» فیستفاد من عموم التعلیل حکم غیر المذکور ، کالفقّاع أو النبیذ مثلاً .
الخامس : الأولویة القطعیة ؛ وهی ما إذا لم یذکر الحکم ، لکنّ العقل یقطع به بالمناط القطعی من الحکم المذکور ، وهذا ما یعبّر عنه فی ألسنة المتأخّرین بالمناسبة العقلیة بین الحکم والموضوع ودارج بینهم ، وذلک کما إذا قیل مثلاً : «أکرم خدّام العلماء» فإنّ العقل یحکم بوجوب إکرام العلماء بتّاً .
السادس : أن یراد بالمفهوم الموافق بعض هذه الاحتمالات المذکورة ، أو جمیعها ؛ أی ما لم یکن واقعاً فی محلّ النطق، مع الموافقة بینه وبین المنطوق فی الإیجاب والسلب .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 471