المقدّمة الرابعة : فی لزوم کون موضوع الحکم مفرداً أو فی حکم المفرد
إنّ موضوع کلّ قضیة ـ إنشائیة کانت أو إخباریة ، إیجابیة کانت أم سلبیة ـ لا بدّ وأن یکون مفرداً ، أو فی حکمه ، کالجمل الناقصة ، حتّی أنّ الشرطیة التی تتألّف من قضیتین ، تخرجان بذلک عن التمامیة ، وتصیران کالجمل الناقصة . والسرّ فی ذلک أنّ الحکایة عن موضوع الحکم فقط أو محموله کذلک ، لابدّ وأن تکون حکایة تصوّریة ، کما أنّ الحکایة عن اتحادهما أو حصول أحدهما فی الآخر ، لابدّ وأن تکون حکایة تصدیقیة ، وهی الملاک لکون الجملة قضیة تامّة . والحکایة التصوّریة متقدّمة علی الحکایة التصدیقیة .
وبالجملة : هیئة الجملة تحکی حکایة تصدیقیة عن الهوهویة، أو الکون الرابط، ویصحّ السکوت علیها ، مثلاً «الشمس طالعة» تحکی حکایة تصدیقیة ، ویصحّ
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 409 السکوت علیها ، ولکن إذا جعلت تلو أداة الشرط وصارت مقدّمة للقضیة الشرطیة فقیل : «إن کانت الشمس طالعة فالنهار موجود» فلا تکاد تکون لها دلالة تصدیقیة یصحّ السکوت علیها ، بل ما دامت مقدّمة للشرطیة یکون لها دلالة تصوّریة .
وتوهّم : أنّه یمکن أن یکون لها باعتبارین حکایتان ؛ فمن حیث کونها جملة برأسها تحکی حکایة تصدیقیة، ومن حیث کونها مقدّمة للشرطیة لها حکایة تصوّریة.
مدفوع : بأنّ هذا یؤدّی إلی اجتماع النقیضین ، واجتماع النقص والتمام فی جملة واحدة فی زمان واحد ، وهو کما تری ، فیلزم أن یصحّ السکوت علی جملة «الشمس طالعة» وأن لا یصحّ ، ولا یجتمع النقص والتمام فی جملة واحدة وفی حال واحد ؛ ولو بتکرّر الاعتبار .
إن قلت: إنّ ما اشتهر بینهم: «من أنّ الأخبار بعد العلم بها أوصاف، والأوصاف قبل العلم بها أخبار» یدلّ علی صحّة کون شیء واحد باعتبارین خبراً وصفة .
قلت : غایة ما یستفاد من ذلک هی أنّ الخبر بعد العلم به یصیر ما علم به وصفاً ، لا بلحاظ کونه خبراً وصفاً ، فتدبّر .
فظهر : أنّه لا محیص من کون الموضوع أمراً مفرداً ، أو مأوّلاً به ؛ لما أشرنا من أنّه لا تجتمع الدلالة التصوّریة مع الدلالة التصدیقیة ، ولا یجتمع النقص والتمام فی جملة واحدة وفی حال واحد ، فلو قلت مثلاً : «زید قائم ، غیر عمرو قاعد» لم تکن الحکایة التصدیقیة فیه إلاّ عن مغایرة الجملتین ، لا عن قیام زید وقعود عمرو ، وکذا الحال فی موضوع الأحکام الإنشائیة . ولو انحلّت القضیة خرج کلّ واحد منهما من النقص ، وصار قضیة تامّة موجبة محصّلة ، أو سالبة محصّلة ، کما فی المثالین ، وربما صارت سالبة معدولة ، أو موجبة سالبة المحمول ، مثل «المرأة غیر القرشیة حکمها کذا» أو «المرأة التی لیست بقرشیة حکمها کذا» .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 410