تزییف بعض أدلّة المجوّزین
قد ظهر ووضح ـ بحمد الله ـ جواز اجتماع الأمر والنهی من دون إشکال ، ولکن ربما استدلّ بعض المجوّزین بما لا یخلو من نظر ، فقال : إنّ أدلّ الدلیل علی إمکان الشیء وصحّته هو وقوعه ، وقد وقع فی الشریعة المقدّسة ما یکون نظیراً لمسألة الاجتماع ؛ وذلک مثل استحباب الصلاة فی المسجد ، وکراهة الصلاة فی الحمّام ، وکراهة الصوم یوم العاشور . . . إلی غیر ذلک من الأمثلة ، فقد اجتمع الوجوب والاستحباب فی المثال الأوّل ، کما اجتمع الوجوب والکراهة فی المثال الثانی ، وقد اجتمع الاستحباب والکراهة فی المثال الثالث .
وبالجملة : حیث إنّ الأحکام الخمسة بأسرها عندهم متضادّة من دون اختصاص لها بالوجوب والحرمة ، ففی الواجبات المستحبّة کالصلاة المفروضة فی المسجد ، أو الواجبات المکروهة کالصلاة فی الحمّام ، أو المستحبّات المکروهة ـ کصوم یوم العاشور ـ اجتمع حکمان فی موضوع واحد کمسألتنا هذه .
بیان الملازمة : أنّه لو کان التضادّ بین الأحکام الخمسة مانعاً عن القول بجواز الاجتماع ، فلیکن مانعاً فی تلک الأمثلة ونظرائها ممّا هو کثیر فی الشریعة ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 99 فبملاحظة هذه الموارد وأشباهها فیها یستکشف بطلان المقدّم ؛ وهو امتناع اجتماع الوجوب والحرمة .
ولکن فیه أوّلاً : أنّ الاستدلال بالظاهر فی المسألة العقلیة غیر وجیه ؛ لأنّ القائل بالامتناع یری امتناع الاجتماع ، فإن ورد هناک ظاهر أوّله أو طرحه .
وبالجملة : الاستدلال بظواهر الأدلّة بعد قیام البرهان العقلی علی الامتناع ـ لو تمّ ـ خارج عن آداب المناظرة ، کما لا یخفی .
وثانیاً : أنّ الاستدلال بالوقوع إنّما هو بعد مسلّمیة الوقوع ، ولم تکن العبادات المستحبّة أو المکروهة عند القائل بالامتناع کذلک ؛ لأنّه یأوّلها أو یطرحها .
وثالثاً : أنّ مجرّد اجتماع الحکمین ـ کالوجوب والکراهة فی مورد مثلاً ـ لا یکون من مسألة الاجتماع حتّی یکون دلیلاً علی الجواز؛ لأنّه یتصوّر علی أقسام:
فتارة : یتعلّق النهی بعنوان تکون النسبة بینه وبین عنوان تعلّق به الأمر ، عموماً من وجه ، کالصلاة فی مواضع التهمة بناءً علی أن تکون کراهتها من جهة کراهة الکون فیها المتحد مع الصلاة ؛ فإنّ النهی لم یتعلّق بعنوان تعلّق به الأمر بذاته ، بل تعلّق بعنوان یجامع عنوان العبادة وجوداً .
واُخری : تعلّق النهی بعنوان تکون النسبة بینه وبین ما تعلّق به الأمر ، عموماً مطلقاً ، کالأمر بالصلاة ، والنهی عن الصلاة فی الحمّام .
وثالثة : تعلّق النهی بعین ما تعلّق به الأمر ، کصوم یوم العاشور ، والنوافل المبتدئة عند طلوع الشمس وغروبها ، ومن المعلوم أنّ القسم الثالث خارج عن مسألة الاجتماع ، بل عرفت فی الأمر التاسع أنّ دخول بعض أقسام القسم الثانی فی محطّ البحث ، لا یخلو من إشکال .
فبقی القسم الأوّل من الواجب والمکروه فی محطّ البحث ؛ وهو ما إذا تعلّق
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 100 النهی بعنوان تکون النسبة بینه وبین ما تعلّق به الأمر ، عموماً من وجه ، والکلام فیه هو الکلام فیما لو تعلّق الأمر الوجوبی بعنوان ، والنهی التحریمی بعنوان ، وکانت النسبة بینهما عموماً من وجه ، فکما قلنا بالجواز هناک نقول بالجواز هنا طابق النعل بالنعل . وکذا الحال فی أقسام القسم الثانی ، ففی القسم الثالث وبعض أقسام القسم الثانی ، لا بدّ لکلّ من القائلین بالجواز والامتناع من التفصّی عن الإشکال فیما لو تعلّق النهی التنزیهی بعین ما تعلّق به الأمر ، وکذا بعض أقسام کون النسبة بین الدلیلین عموماً مطلقاً . والبحث فی ذلک وإن کان خارجاً عن مسألة الاجتماع ، إلاّ أنّه لا یخلو من ارتباط بها ، وهذا ما ستقرأه تحت عنوان :
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 101