الأمر الأوّل : فی صور متعلّق الأمر والنهی
تتصوّر فی متعلّق الأمر أو النهی وجوه :
لأنّه تارة : یکون المتعلّق فیهما نفس الطبیعة علی نحو الإطلاق ؛ وإن کان مقتضی تعلّق البعث والزجر بالطبیعة ، مختلفاً بحسب الفهم العرفی ، حیث إنّه یفهم أنّ امتثال الأمر بالطبیعة بصرف وجود الطبیعة ، وامتثال النهی عنها بترک جمیع الأفراد ، کما سبق .
واُخری : یکون المتعلّق فیهما جمیع أفراد الطبیعة علی نحو العموم علی النحو المعقول ؛ أی عنوان إجمالی الفرد .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 71 وثالثة : یکون المتعلّق فی جانب الأمر بنحو الإطلاق، وفی جانب النهی بنحو العموم.
ورابعة : بعکس الثالثة .
وعلی جمیع التقادیر لابدّ للآمر أو الناهی ـ إذا کان ملتفتاً خبیراً ـ من لحاظ موضوع أمره أو نهیه بما لهما من الخصوصیات أوّلاً ، ثمّ إصدار البعث أو الزجر نحوه ، فربما تکون نفس الطبیعة من دون قید وشرط ، محصّلة لغرضه ، واُخری یکون لاعتبار شرط أو قید دخالة فی حصوله ، ومن المعلوم أنّه لا یکاد تتعلّق إرادته الجدّیة بغیر ما یکون محصّلاً لغرضه ، بل کلّ ما یکون دخیلاً فی حصول غرضه یتعلّق به البعث أو الزجر ؛ لأنّ الإرادة التشریعیة تابعة للإرادة التکوینیة ، فهی مثلها فی أنّها لا تتعلّق إلاّ بما یکون محصّلاً لغرضه ، ولا تکاد تتجاوزه إلی غیره حتّی المتحد معه خارجاً ، فضلاً عمّا یلازمه ، فما ظنّک بما یقارنه!!
وبالجملة : لابدّ من ملاحظة الطبیعة بما لها من الخصوصیات الدخیلة فی تحصیل غرضه ؛ إذا کان متعلّق الأمر أو النهی الطبیعة ، أو ملاحظة فرد الطبیعة بما له من الخصوصیات ، فیبعث نحوه ، أو یزجر عنه ، ولا یکاد أن یتجاوزا عن مصبّهما إلی ما یکون متحداً معه ، أو ملازماً ، أو مقارناً له ، فالأمر فی قوله : «صلّ» مثلاً ، متعلّق بنفس طبیعة الصلاة مجرّدة عن کافّة الخصوصیات ، ولا یعقل تعدّیه عنها إلی ما هو خارج عنها وإن اتحد معها خارجاً أو ذهناً ، فضلاً عمّا یلازمه أو یقارنه ، وکذلک النهی فی «لا تغصب» متعلّق بنفس طبیعة الغصب مجرّدةً عن کافّة الخصوصیات ، ولا یکاد یعقل تعدّیه عنها إلی ما هو خارج عنها وإن اتحد معها خارجاً أو ذهناً أو لازمها أو قارنها .
والسرّ فی ذلک تبعیة الإرادة التشریعیة للإرادة التکوینیة ، فکما أنّ الإرادة
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 72 التکوینیة من المولی الحکیم ، تابعة لإدراک الصلاح والفساد ، ولا تکاد تتعلّق إلاّ بما هو دخیل ـ بحسب الواقع ونفس الأمر ـ فی تحصیل الغرض ، ولا یعقل تعدّیه عن موضوعه إلی ما لا دخالة له فی وعاء من الأوعیة ذهناً کان أو خارجاً ، فکذلک الإرادة التشریعیة ، فعلی هذا لا یتعلّق الأمر بالصلاة إلاّ إذا کانت الخصوصیات المأخوذة فیها دخیلةً فی تحصیل المصلحة ، فکما لا یمکن تعلّقه بالفاقدة منها ، فکذلک لا یمکن تعلّقه بالخصوصیة غیر الدخیلة فی تحصیل الغرض ، وقس علیه تعلّق النهی بعنوان «الغصب» أو «التصرّف فی مال الغیر بغیر رضاه» .
وعلیه فالملازمات الوجودیة للمأمور به والمنهی عنه فی الوجود الخارجی أو الذهنی ـ فضلاً عن المقارنات الاتفاقیة ـ کلّها خارجة عن حریم الأمر والنهی .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 73